تقارير

الحرب السودانية تحوّل الصحافة إلى مهنة الموت: قتل واعتقال وتحديات متزايدة

منتدى الاعلام السوداني

الخرطوم، 3 مايو 2025 (سودان تربيون) – يواجه الصحفيون السودانيون وضعاً بالغ الخطورة في ظل الحرب الدائرة منذ منتصف أبريل 2023، حيث تحولت مهنتهم إلى مجازفة مميتة عند محاولة نقل الأخبار وتقديم الحقائق المجردة.

ووثّقت نقابة الصحفيين السودانيين تعرض عدد من الصحفيين لإطلاق نار مباشر من الأطراف المتحاربة، وخاصة قوات الدعم السريع، التي يُنسب إليها مقتل عدد منهم، إما في منازلهم أو في مناطق الاشتباكات مع الجيش السوداني.

 

مجازفة قاتلة

في خضم مجازفة غير محسوبة العواقب، انطلق الصحفي (هـ) برفقة فريقه لتغطية حدث عسكري هام. يروي الصحفي أنه في شهر مارس الماضي، وبعد الحصول على موافقة أمنية، توجه الفريق من أم درمان عبر كبري الحلفايا إلى بحري في طريقه إلى كبري الحديد. وأثناء مرورهم، تعرضت سيارة تابعة للجيش كانت تسير أمامهم لوابل من الرصاص.

يصف الصحفي لحظات الذعر التي أصابت الجميع، لكن القوة العسكرية ردت على مصدر النيران فوراً، مما سمح لهم بمواصلة رحلتهم المحفوفة بالمخاطر. ويشير إلى أن الموت يظل الخطر الأقرب الذي يواجه الصحفيين خلال تغطيتهم للأحداث في السودان.

 

وضع الصحفيين: استهداف ممنهج وانتهاكات مستمرة

أظهر تقرير حديث لنقابة الصحفيين السودانيين مقتل 30 صحفياً، بينهم 5 صحفيات، منذ اندلاع الحرب. وأكد التقرير أن الصحفيين مروا بمراحل عصيبة شملت الاعتقالات، الاحتجاز، التنكيل، والتعذيب. وأشارت النقابة إلى أن معظم عمليات القتل تمت بإطلاق الرصاص المباشر أو نتيجة التعذيب في معتقلات تابعة لأطراف النزاع.

كما وثقت سكرتارية الحريات بالنقابة للعام 2024 نحو 509 حالات انتهاك ضد الصحفيين، بما في ذلك 4 حالات اعتقال حديثة، وفقاً لمسؤولة السكرتارية، إيمان فضل السيد. وكشفت إيمان عن تدوين 6 بلاغات جنائية مؤخراً ضد صحفيين، تضاف إلى قضايا وبلاغات أخرى سابقة. وأكدت استمرار اعتقال 4 صحفيين، بينهم صحفية، لدى الأطراف المتحاربة حتى الآن.

 

دعم دولي وتحديات النزوح

من جهته، في تصريح لـ”سودان تربيون” أوضح أسامة بوعجيلة، مسؤول المناصرة في مكتب شرق أفريقيا بمنظمة “مراسلون بلا حدود”، أن المنظمة تنسق جهوداً لدعم الصحفيين السودانيين العالقين وسط الحرب. وأشار إلى تقديم مساعدة مباشرة لـ 38 صحفياً سودانياً، سواء داخل البلاد أو في دول النزوح.

تركز الدعم بشكل كبير على المساعدات المالية لتلبية الاحتياجات الأساسية، خاصة للنازحين إلى دول مثل كينيا وأوغندا ومصر، حيث يواجهون تحديات تتعلق بتسوية أوضاع الإقامة وصعوبات إدارية واجتماعية. وأكد أسامة أن “مراسلون بلا حدود” تعمل بالتوازي على تعزيز قدرات الصحفيين عبر برامج تدريبية، وتقود حملة مناصرة دولية للدفاع عن حرية الصحافة في السودان، محذرةً من خطورة الوضع. وشدد على أن الهدف هو ضمان حماية الصحفيين، تسهيل إعادة توطينهم بأمان، والدفاع عن حقهم في نقل المعلومات بحرية رغم قسوة الحرب.

والجدير بالذكر، ان عدة منظمات دولية قدمت مساعدات للصحفيين السودانيين الذين شردتهم الحرب داخل البلاد وخارجها، إلإ انهم لا يزالون يكابدون أوضاعاً غير مستقرة ويواجهون مشاكل عديدة جراء استمرار الصراع وتوقف نشاطهم المهن.

 

تحديات مهنية جسيمة

إلى جانب المخاطر الأمنية، يواجه الصحفيون تحديات مهنية هائلة. أبرزها توقف معظم المؤسسات الإعلامية، التي دُمر ما يقارب 90% منها خلال الحرب، بحسب نقابة الصحفيين. أدى ذلك إلى فقدان مئات الصحفيين لوظائفهم ومصادر دخلهم. وفي المقابل، دخلت مجموعات أخرى، من ضمنها نشطاء سياسيون وعسكريون، إلى الساحة الإعلامية، مما أثر على المشهد المهني.

تدهورت حالة حرية الصحافة بشكل حاد، ويعتقد الكثير من الصحفيون المستقلون أن الحرب تعد نكسة قضت على آمالهم في تحول الإعلام السوداني إلى إعلام حر ونزيه، بعد ثورة ديسمبر المجيدة.

 

تأثير الحرب على حرية الصحافة: شبح التحيز

ألقت الحرب بظلالها على مهنية العديد من الصحفيين، حيث أظهر البعض تحيزاً مباشراً لأحد أطراف الصراع في تغطياتهم وتقاريرهم. هذا “التحيز الإعلامي” يتعارض مع معايير الصحافة الموضوعية، إذ يتم تبني روايات تخدم مصالح طرف معين، أو نشر معلومات غير دقيقة عن الطرف الآخر.

شهدت حرب 15 أبريل ميلاً واضحاً لدى صحفيين ومؤسسات لتقديم القصة من جانب واحد وإغفال الجانب الآخر. كما قام طرفا الحرب بتصنيف الصحفيين بناءً على ولائهم المفترض، ورفضوا التعامل مع من يعتبرونهم مؤيدين للطرف الآخر، حتى في تزويدهم بالمعلومات الأساسية. 

 

آثار التحيز على المجتمع

وتشير الباحثة الاجتماعية الدكتورة ثريا إبراهيم، في حديث لـ”سودان تربيون” إلى تأثير التحيز على المجتمع وتشكيل الرأي العام. وتؤكد أنها لاحظت محاولات من بعض الصحفيين لاستمالة رأيها أو توجيه أسئلتها لخدمة طرف معين خلال المقابلات. وتضيف قائلة: “يلاحظ أن بعض الصحفيين يحاولون توجيه إفادات المختصين لتخدم تحيزاتهم”.

دعت ثريا إلى نقل الخبر كما هو لتجنب التأثير السلبي على المجتمع وسد باب الشائعات والأكاذيب. وحذرت من قيام جهات بفبركة أخبار لصرف الانتباه عن قضايا حقيقية. وأكدت أن أي تغطية إخبارية لا تتم بمهنية ومصداقية تؤثر مباشرة على المجتمع والرأي العام، وتسبب تشتتاً حول الحقيقة. وشددت على المسؤولية الكبيرة للإعلام في نقل أحداث الحرب بموضوعية وحياد، وتغطية الانتهاكات كما هي مع مراعاة الأخلاقيات المهنية وحماية الضحايا والمصادر.

 

اتهامات وروايات مضادة

يزداد وضع الصحفيين تعقيداً بسبب حملات الاتهام والروايات المضادة من أطراف الصراع وأنصارهم، حيث يصبح نقل الحقيقة سبباً لاتهامهم بالانحياز. وتعمد أطراف متورطة في الحرب إلى اتهام الصحفيين ووكالاتهم بالعمل لصالح العدو، بهدف تخويفهم أو كسب ولائهم. وقد أكد صحفيون أن مؤسساتهم اتُهمت من قبل كلا الطرفين بالتحيز للآخر، دون أساس، في محاولة لإجبارهم على نشر وتداول مزاعم ومعلومات غير صحيحة يروجها هؤلاء.

ويروي صحفي سوداني يعمل مراسلاً لوكالة أجنبية – طلب عدم الكشف عن اسمه لدواعٍ أمنية – أن الظروف التي يعملون فيها داخل السودان “خطرة للغاية”. ويؤكد تعرضه للتوقيف أكثر من 10 مرات، واستدعائه مرتين على الأقل من قبل أجهزة الأمن للتحقيق معه حول تقارير اعتبرتها تلك الأجهزة مسيئة لها، من بينها تقرير عن انتهاكات وجرائم قتل ضد مواطنين في منطقة الحلفايا نُسبت لكتيبة متحالفة مع الجيش.

 

مخاطر مستمرة ومتزايدة

مع استمرار الحرب لأكثر من عام، تظل المخاطر تحاصر الصحفيين في الداخل، وتمتد لتلقي بظلالها على الموجودين في دول الجوار (باستثناء الدول الأوروبية). تفرض بعض دول الجوار قيوداً مشددة على حركة الصحفيين السودانيين، وتمنع منحهم تراخيص العمل، وفي بعض الحالات تمارس عليهم المراقبة أو التضييق لدفعهم للمغادرة.

يقول الصحفي (أ)، المقيم في إحدى دول الجوار، إن السلطات في البلد المضيف ترفض منحه ترخيص العمل رغم محاولاته المتكررة. وتشير الصحفية (م) في دولة مجاورة أخرى إلى مماطلة المسؤولين في منحها الترخيص حتى بعد تقديم المستندات المطلوبة من مؤسستها.

أما في الداخل، تحدث أربعة صحفيين – طلبوا الحفاظ على سرية هويتهم – عن مخاطر محدقة تشمل القتل، الإصابة، الاعتقال، الخطف، التهديد، والتشرد. وأكدوا صعوبة الحصول على المعلومات من الجهات الرسمية في بورتسودان التي تحجبها عنهم، ورفض بعض المسؤولين التعامل معهم بناءً على تصنيف لمؤسساتهم الإعلامية.

تضاف إلى هذه التحديات مشاكل تقنية مثل ضعف أو انقطاع شبكة الإنترنت والكهرباء، وانتشار الأخبار الكاذبة والشائعات في غياب مراصد مستقلة، بالإضافة إلى ضغوط أطراف القتال لتقييد حركتهم ومنعهم من التنقل بحرية.

هذا التقرير الصحفي من إعداد سودان تربيون، وقد تم نشره عبر مؤسسات منتدى الإعلام السوداني بمناسبة اليوم العالمي للصحافة لتسليط الضوء على اوضاع الصحافة والصحفيين في السودان. 

#لنقف_مع_السودان

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى