
تأتي جولة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب المرتقبة، خلال الساعات القليلة القادمة، إلى العواصم الخليجية الثلاث: الرياض، أبوظبي، والدوحة، في وقتٍ تتصاعد فيه التوترات الإقليمية، وعلى رأسها الحرب المستمرة في السودان منذ أكثر من عامين.
وتُثير هذه الزيارات تساؤلات حول إمكانية أن تُسهم في تحريك الجهود الدولية لإنهاء النزاع السوداني، خاصةً في ظل الأدوار المتباينة التي تلعبها بعض دول المنطقة في الأزمة.
ففي الرياض، ربما يسعى ترامب إلى تأمين استثمارات سعودية ضخمة تُقدّر بتريليون دولار، مع التركيز على التعاون الاقتصادي والتكنولوجي.
ومع ذلك، قد يكون النزاع في السودان حاضراً على جدول الأعمال، بالنظر إلى أن الولايات المتحدة والسعودية لعبتا دور الوسيط المباشر في مفاوضات جدة، التي أثمرت أول اتفاق بين الجيش والدعم السريع في مايو 2023.
كما أن الرياض لم تُخفِ قلقها من تأثيرات الصراع، خاصة بعد أن نجح الدعم السريع، قبل نحو أسبوع، في ضرب منشآت استراتيجية بمدينة بورتسودان، العاصمة الإدارية المؤقتة لحكومة الأمر الواقع.
ولذا، فإن المملكة التي تسعى لتعزيز استقرار المنطقة قد تُشجع على إعادة تنشيط الوساطة السابقة ووقف التصعيد، في ظل مخاوفها من تفاقم الصراع حول منطقة البحر الأحمر الاستراتيجية.
أما أبوظبي، التي تُعد لاعباً محورياً في النزاع السوداني وتواجه اتهامات بدعم قوات الدعم السريع بالسلاح والتمويل، فقد توترت علاقاتها مؤخراً مع حكومة بورتسودان، التي أعلنت عن قطع العلاقات الدبلوماسية مع الإمارات.
ومن المرجح أن تسعى أبوظبي إلى استغلال زيارة ترامب كفرصة لاستمالته إلى جانبها، خاصة في معركتها المفتوحة مع كافة حركات الإسلام السياسي بالمنطقة، وفي مقدمتها الحركة الإسلامية السودانية بالطبع.
وفي المقابل، قد تعرض الدوحة، المتهمة بموالاتها لتيارات الإسلام السياسي في المنطقة، على ترامب لعب دور الوسيط في النزاع السوداني.
فقطر تسعى دوماً إلى تعزيز مكانتها كوسيط موثوق في النزاعات الإقليمية، التي تمثل قوى الإسلام السياسي فيها قاسماً مشتركاً متكرراً.
وقد تجد الدوحة في زيارة ترامب فرصة لتعزيز هذا الدور، لا سيما في ظل رغبة واشنطن في إيجاد حل سريع وتحقيق استقرار دائم في السودان.
إذ تتمتع قطر بقدرة على تحريك بعض الأطراف الفاعلة في النزاع، نظراً لعلاقاتها الجيدة بالحركة الإسلامية السودانية، وحلفائها من قادة حركات دارفور المسلحة.
ومن ثم، قد تُسهم زيارة ترامب إلى الدوحة في تعزيز التعاون مع الولايات المتحدة للبحث عن حلول سلمية، وتحفيز الأطراف السودانية المختلفة للجلوس إلى طاولة المفاوضات.
وفي ظل هذا المشهد الإقليمي المتشابك، تمثل جولة ترامب الخليجية لحظة مفصلية قد تُعيد ترتيب أولويات الملف السوداني على أجندة السياسة الدولية.
فإذا نجح الرئيس الأمريكي في توظيف نفوذه الاقتصادي والسياسي للضغط على حلفائه الخليجيين، فإن ذلك قد يُسهم في تحريك المياه الراكدة في الأزمة السودانية، عبر فرض معادلة توازن إقليمي جديدة تُلجم أدوات التصعيد وتفتح نوافذ للحل السياسي.
ومع أن ترامب يُعرف ببراغماتيته الحادة، فإن رغبته في تسجيل اختراق دبلوماسي في ملف بالغ التعقيد كالسودان، قد تدفعه إلى تبنّي دور أكثر انخراطًا في صياغة تسوية تُرضي كافة القوى الإقليمية والدولية على السواء.
لكن نجاح هذه المساعي يبقى مرهونًا بقدرته على تجاوز الحسابات الضيقة لحلفائه في الخليج، ودفعهم نحو مقاربة أكثر مسؤولية، تنظر إلى السودان بوصفه فرصة للسلام الإقليمي لا ساحة لتصفية الحسابات.
وهكذا، قد لا تكون هذه الجولة مجرد رحلة عابرة في سجل زيارات ترامب، بل بداية لفرصة حقيقية، إن أُحسن استغلالها، لوضع حد لأحد أكثر النزاعات مأساوية في هذا الجزء من العالم.