
هل هناك من بيت في بوادي وأرياف السودان الحبيب خلت زريبته من خروف (الضحية)؟ وهل هناك سوداني فاتته بهجة الذهاب برفقة والده إلى سوق البهائم ولحظات جس الخروف السمين الأقرن غير المخصي المكتنز ظهره باللحم بارز الصدر وصاحب الذيل الطويل، التني عمراً أو الجدع الذي كسرت أسنانه؟.
وهل أفسدت الحرب بهجة العيد الكبير وبذخ أيامها المترعة بـ(اللمة) وعطر شوائها الفواح؟
وهل ما زال أهل تلك الأنحاء يستيقظون مع نباه الفجر الأول وهم يكبرون ويهللون؟
وهل ما زالوا ينطلقون بعد صلاة الصبح في المسيد إلى الجبانة لزيارة الأسلاف والدعاء لهم ثم يدلفون إلى مصلى العيد الذي ينعقد في الخلاء بعيدا عن البيوت؟
وهل ما زالت الحبوبات ترافقن الأحفاد والأبناء والأزواج إلى صلاة العيد وهن يرتدين توب الزراق وأبو قجيجة ورسالة لندن الذي تفوح من بت السودان؟
وهل ما زال المداح ينقرون طاراتهم وتعلوا أصواتهم الطروبة بمدائح ود سعيد وحاج الماحي فيسيح العشاق محبة لرسول الله صلى الله عليه والسلام فتسيل دموعهم؟
وهل ما زال أهل الفريق يبدؤون بذبح أضحياتهم ببيت الكبير ثم ينتقلون إلى من يليه من البيوت حتى يبلغون خمس إلى ستة خراف في اليوم الأول؟
وهل ما زال الرجال يعبئون الكانون بجمر السنط تحت أشجار النخيل والمانجو ينضجون شية الجمر لهم ولنسائهم؟
وهل ما زالت شية الصاج التي تبدع صنعها الأمهات كما هي بلونها وطمها تطهى بالدهن الطبيعي غير المهدرج؟
وهل ما زالت المرارة تعطن بمعجون الدكوة والليمون وتبهر بالملح والفلفل والشطة الخضرا وتطيب بالبوالة أو العتي؟
وهل ما زالت الأطفال يعشون تجربة شواء (أب دمام) والكلوي والبيوض؟
وهل ما زال أهل تلك الأنحاء يدخرون الفخذين فقط من خرافهم التي يشاركهم في طهيها وأكلها أهل الفريق جميعا؟
وهل ما زال أولئك الكرام يقطعون موعدا لأعراس أبنائهم وبناتهم أحد أيام العيد؟
وهل ما زال الكبار يصرون على نثر حكاويهم حول اللعب الذي تغني فيه النعام آدم وعلا غبار الجابودي؟
وهل ما زالت الأجيال التي تليهم يفتخرون بثائية عبد الله محمد خير وصديق أحمد؟
وهل ما زال النساك يشعلون بخور اللبان والقرض في المسيد والمداح ينقرون طاراهم ينبهون الناس لليلية؟
عيد الأضحية يا سادة عند أهلنا في بوادي وحضر السودان مناسبة دينية واجتماعية وثقافية أصيلة يعبر فيها الناس عند شرائهم وذبحهم لخروف (الضحية) عن إيمانهم العميق بمقاصدية الأضحية كنسك وعبادة يتقرب بها العباد الى الله، إحياء لإمتثال سنة أبينا إبراهيم وخضوع إبنه إسماعيل عليهما الصلاة والسلام واعترافا بفضل الله تعالى وشكرا له على نعمه عليه التي لا احصى ولاتعد، واستمساك بسنة أفضل الله خلق الله وخاتم النبيين. وقلة منهم من يعتبرونها عرفا وتقاليد مجتمع لا يمكن تجاوزها بأية حال. والفريقان يتمسكان بأنها واجبة تقتضي بذل المال لتوفيرها وذبحها في اليوم الأول أو أيام التشريق وفقا للمذهب المالكي الذي يعتنقه أهل السودان.
نسأل الله تعالى أن يتقبل منا ومنكم صالح الأعمال والدعاء وأن يتقبل توبتنا ويمحو ذنوبنا ويثقل موازيننا وأن يتولى والدينا وجميع من رحل من ديار المسلمين بواسع رحمته وأن يكتب لنا أجمعين حسن الخاتم وأعلى الجنان بعد عمر طويل في طاعة الله.
وكل عام وأنت بالف خير
صحفي سوداني بشبكة الجزيرة (*)