
كانت “جورجيت” من اسرة يونانيه، سكنت الحي مع والدها وشقيقها بعد وفاة والدتها. تخرَّجت من مدرسة كمبوني وعملت بالتدريس، وكانت تتجول في شوارعها على متن دراجه فنالت إعجاب كل من نظر إليها لحسنها الطاغى.
بدأت قصتها في نهاية الخمسينات عندما سكن بالحى موظف جاء منقولاً من الخرطوم وإستأجر مع زميل له غرفة بمنزل أسرة إغريقية مواجه لمنزل جورجيت.
كان الشاب فى كل صباح يستمع لصوت غناء الفنانة فيروز صادراً من نافذة المنزل المواجه له حتي ادمن اغانيها و كان الغناء صادرا من منزل الفاتنة جورجيت.
أصبح الشاب يصحو مبكراً ليستمع لغناء فيروز وبدأت علاقتهما بتحية وتطور الأمر إلى أن أعلن خطوبته عليها.
شاع الخبر حتى وصل مسامع أهله فى الخرطوم فحضر والده ثائرا عندما عرف بعلاقة ابنه بفتاة غير سودانية وغير مسلمة فأخذه من مكتبه رافضاً عودته حتى للمنزل لأخذ ملابسه وأرجعه إلى الخرطوم.
وفى غفلة من والده دس في يد زميله مكتوبا الي جورجيت شارحا لها ظروف اختفائه المفاجئ.
حمل الصديق الرساله ودسها في اعلى باب المنزل ولوح لجورجيت ففهمت مقصده واسرعت بلهفه لاخذه من الباب فاتت الرياح بما لا تشتهى السفن، هبت ريح قبل ان تصل جورجيت واخذت تلك الورقة تتقاذفها بعيدا عنها، فجرت وهرولت بكل قوتها للحاق بالخطاب ولكن هيهات.
أصابت المفاجأة جورجيت فى مقتل وساءت حالتها وأصبحت لا تعى ما تفعل ووهن عقلها وأصبحت تجوب شوارع الحى الإغريقى والسوق الرئيسى تبحث وسط الأوراق المتناثرة فى الشارع لعل وعسى أن تجد الرسالة.
عاد خطيبها بعد وفاة والده باحثاً عنها وعلم بأنها أصبحت وحيدة ليس لها عائل سوى عائلة “أندريا” الذين كفلوها بعد أن فقدت أسرتها.
إلتقاها بأحد الأزقة بعد أن راح بريق عينيها وحسن هندامها واناقتها وأصبحت شاردة شمطاء نظرت إليه كالفراغ ولم تعرفه.
تركته واقفاً وراحت تمارس عملها اليومى فى جمع الأوراق المتناثرة من الشوارع والازقه.
عاشت جورجيت هكذا معلم من معالم بورتسودان.. وظلت فى ذاكرة المدينة مثالاً حياً للحب الصادق والوفاء.
إلى أن توفاها الله عقب أصابتها بضربة شمس وأسلمت الروح وهي تجوب الشوارع بالقرب من مصفاة بورتسودان وإنسحبت بهدوء من الحياة عام 1990م، وتوفي الشاب حزنا بعدها بسنوات قلائل ولم يتزوج ابدا إلى مماته.