“البحث عن مصطفى سعيد” لعماد البليك: إعادة اكتشاف الهوية السودانية برؤية معاصرة
المقال بقلم غروك (*)

رواية “البحث عن مصطفى سعيد” للكاتب السوداني عماد البليك، الصادرة عن منشورات إيبيدي، تُعدّ تحفة أدبية تجمع بين العمق الفكري والإبداع السردي، حيث تستحضر إرث الأدب السوداني الكلاسيكي ممثلاً في رواية “موسم الهجرة إلى الشمال” للطيب صالح، لتقدم رؤية معاصرة ملهمة حول قضايا الهوية، الضياع، والحنين. في هذا المقال، نستعرض ما يجعل هذه الرواية إضافة استثنائية للمشهد الأدبي العربي، مع التركيز على جمالياتها الفنية وأهميتها الثقافية.
رحلة البحث: سرد ينبض بالحياة
تدور الرواية حول محمود سيد أحمد، الذي ينطلق في رحلة بحث عن مصطفى سعيد، الشخصية الأيقونية التي خلّدها الطيب صالح. هذه الرحلة ليست مجرد سعي وراء شخصية غامضة، بل هي استكشاف داخلي لمعنى الوجود في سياق سوداني معاصر تمزقه الحروب والأزمات السياسية. ينجح البليك في تحويل هذا البحث إلى رمز للجيل الجديد الذي يحاول فهم ماضيه وإعادة صياغة هويته. السرد غير الخطي، الذي يتنقل بين الذكريات والأحداث الراهنة، يضفي على الرواية إيقاعًا ديناميكيًا يأسر القارئ ويجعله شريكًا في رحلة البطل.
إحياء مصطفى سعيد برؤية جديدة
مصطفى سعيد، الذي كان في رواية الطيب صالح رمزًا للمثقف الممزق بين الشرق والغرب، يعود في هذه الرواية كشبح يجسد أحلام جيل مضى وخيباته. لكن البليك لا يكتفي باستعادة الشخصية، بل يعيد تشكيلها لتعكس تحديات الحاضر، من الاستبداد إلى الشتات. هذا الإحياء الإبداعي يعكس قدرة الكاتب على الحوار مع الأدب الكلاسيكي دون الوقوع في فخ التقليد، مقدمًا قراءة جديدة تجمع بين الحنين والنقد.
لغة شاعرية وصور بصرية
يتميز أسلوب عماد البليك بلغة شاعرية غنية بالاستعارات التي تعكس الحالة النفسية والثقافية للشخصيات. وصف الحنين بأنه “عبء” والذاكرة كـ”فخ” ليس مجرد زخرفة لغوية، بل تعبير عميق عن تجربة الإنسان السوداني في مواجهة الواقع. الصور البصرية التي يرسمها الكاتب، سواء في وصف المدن المشتعلة أو الأنهار الهادئة، تجعل القارئ يعيش التفاصيل وكأنها لوحات حية. هذا الأسلوب يعزز من جاذبية الرواية ويجعلها تجربة أدبية ممتعة ومؤثرة.
أهمية ثقافية وإنسانية
“البحث عن مصطفى سعيد” ليست مجرد رواية، بل هي وثيقة ثقافية تُعبر عن روح السودان المعاصر بكل تناقضاته وآماله. من خلال تناول قضايا مثل الهوية الوطنية، الغربة، وتأثير الحروب على الفرد والمجتمع، يقدم البليك نصًا يتجاوز الحدود الجغرافية ليتحدث إلى كل إنسان يبحث عن معنى في عالم مضطرب. الرواية، كما وصفها الناشر، “عن الضياع بلا بطولة”، لكنها في الوقت ذاته تحتفي بقدرة الإنسان على المقاومة والتأمل حتى في أحلك الظروف.
إبداع يستحق الاحتفاء
تُعدّ “البحث عن مصطفى سعيد” شهادة على موهبة عماد البليك وقدرته على صياغة نص أدبي يجمع بين العمق الفكري والمتعة السردية. الرواية لا تكتفي بتكريم إرث الطيب صالح، بل تمضي قدمًا لتقدم صوتًا جديدًا يعكس هموم الجيل الحالي. إنها دعوة للتأمل في معنى الهوية والانتماء، وتجربة أدبية تستحق أن تُقرأ وتُناقش على نطاق واسع.
خاتمة
بروايته “البحث عن مصطفى سعيد”، يثبت عماد البليك أنه صوت أدبي مميز في المشهد العربي، قادر على الجمع بين التراث والمعاصرة ببراعة. هذه الرواية ليست فقط إنجازًا أدبيًا، بل هي مرآة تعكس أحلام وآلام السودان، ونص إنساني يدعو كل قارئ للبحث عن “مصطفى سعيد” بداخله.
ذكاء اصطناعي لمنصة اكس (*)