
الشعب السوداني متدين بالفطرة منذ نشأته و سماع الحجا والقصص الدينية عن الانبياء يتشرب بحبهم وبقناعات بركاتهم فتجدهم ينادوا اي يندهو ويستجيروا بقولهم:” يا الله و سيدي رسول الله”، و” النبي فوقي” ، وحتى الشيوخ والأولياء يؤمنون بكراماتهم، و هذا خلق نوع من الأخذ ببركتهم والاستغاثة بهم عند الملمات ويعتقد فيهم أكثر كبار السن مثل ان تقول :”يا سيدي الحسن”، و” يا المكاشفي”، و يا الكباشي خصيم السم من العقارب”، و غيرهم الكثير.
اثناء تواجدي بولاية نهر النيل نزوحا لاحظت عند يرخي الليل استاره اي يفلل اي تمسي الواطة، او عندما تتلبد السماء بلون الكُبتة الاحمر و انعدام الرؤية وخروج هوام الأرض خصوصا العقارب والدبايب نجد النساء يدعن و هن يتحركن بداخل البيت و يدعن بقولهن :” نوح”، أو “يا النبي نوح”، او “يا النبي نوح يا قاري اللوح”.
وحتى إذا حكى شخص في وسط مجموعة مثلا غرق شخص أو خطفه تمساح يقولون:” يا النبي نوح”، مستجيرين به، ومتداول اسم” نوح” للذكور.
وهذا الاعتقاد ليس قصرا على ولاية نهر النيل في اعتقادهم بالفقرا (شيوخهم) و ايمانهم القاطع بهم ويثقون في كراماتهم و أنهم من أولياء الله الصالحين مثلا لديهم قرية اسمها (نباري الفقراء)، وقرية شمال جزيرة مقرات باسم ( قرية الفكي نوح)، وايضا في الولاية الشمالية والبطانة وكردفان وغيره.
وجدت نوح في شعر شغبة المرغومابية:
وجدت مقال عن تسجيل كما هو مكتوب لاسعد العباسي في (مكتبة سودانيز اونلاين) بتاريخ ١٨/ ٤/ ٢٠٠٨م بعنوان:” شغبة المُرغُمابية شَاعرةٌ وقائدةٌ وُمنتقمة”، اقتطف منه أنها:” كانت زوجة (لود دقلش) أحد أفراد و فرسان قبيلة المرغماب و في معركة ضد البطاحين أصيب نائل ابن شغبة بطعنة نافذة فسقط فوراً على الأرض ميتاً، ولم يلبث أن هجمت الكلاب على جثته تنهشها نهشاً، و عندما حانت منها التفاتة رأت زوجها الفارس (ود دقلش) وهو يقاوم السقوط من فوق صهوة فرسه وهو مثخن بالجراح”، عندهااستجارت شعبة بنوح كما هو سائر وسط الناس من الموت و خراب بيتها قائلة:
” كُـرْ يَا نَـوحْ مِـنْ دَا الخَـــرَاب
عَجَـبْ عَـيني ياكـلَنْ فِي الكِـلاَبْ
ود دَقْـلَشْ مَـيَّحْ مِــنْ الرِكَـابْ
أَخير دِي مِن قَولةْ جَفلوا المُرغُمَابْ
و في اغنية كردفانية لفهيمة عبدالله منها:
بكيرة الميقني أم روبة
معليش البيعة مقلوبة
بسم الله مفتاح سفينة نوح
مجريها في بحور وسطوح”
و لعل بيت:”بسم الله مفتاح سفينة نوح”، يرجع لآيات الذكر الحكيم مما ذكر في اساطير الاول من قصة سفينة نوح في قوله تعالى:”وَقَالَ ارْكَبُواْ فِيهَا بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ”. ( سورة هود: الآية 41)
كما وجدت ذكر نوح عدة مرات في ديوان الشاعر عاطف خيري :”سيناريو اليابسة” و كانت بنفس الاسم قصيدة طويله، اقتطع منها مايلي نوح الذي يرمز إلى ما بداخل الشاعر:
نوح:
يبلغ من الطول مسافة يشتهى الغرقان شهيق
لونو زى سرك تكلمبو الصديق
أمو تتوحـّم على طين البحر
وايضا:
يا هدهد هنا مرت مراكب نوح
محملة بالبخور
كنت قد قرأت في أحد المراجع لاذكرها و قد أضاعتها الحرب أن:” أول من أطلق بخور هو سيدنا نوح عندما رست سفينته على اليابسة”.
وايضا:
و مرت مراكب نوح محملة بالملوك
ركعت على الموج الجنود
وايضا:
و مرت مراكب نوح محملة بالطيور
واقف مع نوح الغراب
و قد حمل نوح في مركبة من كل نوع زوجين من الطيور
و غيرها، و قد بشرته حمامة بقرب اليابسة.
وايضا:
و مشيت فى الموج
يا النبى نوح أصل سالم
يا النبى نوح أصل ………
واخيرا استنجد الشاعر بالنبي نوح ليصل سالما.
“مقالات من موروثنا الشعبي السوداني”، (كتاب غير منشور)، 2024 لسلمى عبد الحميد أحمد المشلي(*)