
تُعدّ الثروة الحيوانيةواحدة من أهم ركائز الاقتصاد السوداني، حيث يسهم هذا القطاع بنسبة كبيرة في الناتج المحلي الإجمالي ويُشكّل مصدراً أساسياً للعملات الأجنبية من خلال الصادرات.
ومع اندلاع الحرب بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع في أبريل 2023، تعرض هذا القطاع الحيوي لأضرار جسيمة أدت إلى تهديد سبل العيش لملايين من الرعاة والمربين، وانعكست سلباً على الاقتصاد الوطني حاضراً، وستظل تداعياتها ماثلة في المستقبل القريب والبعيد.
أولاً: الخسائر المباشرة في الثروة الحيوانية
النفوق الواسع: نتيجة للاشتباكات، والنزوح، وتدهور الأوضاع البيئية والرعوية، نفق الملايين من رؤوس الأبقار، الأغنام، الإبل والماعز.
النهب والسرقة: تكررت حالات السلب المنظم للقطعان من قبل جماعات مسلحة، ما أدى إلى فقدان مربي الماشية لثرواتهم بالكامل.
غياب الخدمات البيطرية: دُمرت مراكز الإرشاد البيطري، وتوقفت حملات التحصين ضد الأمراض الوبائية، مما ساهم في تفشي أمراض قاتلة بين الحيوانات مثل التسمم الدموي والجدري.
ثانياً: التأثيرات الاقتصادية الحاضرة
تراجع الصادرات: السودان كان يُصدّر سنوياً كميات ضخمة من اللحوم الحية والمذبوحة إلى الخليج وشمال أفريقيا، لكن الحرب أدت إلى انهيار سلاسل التوريد وتوقّف الصادرات بشكل شبه تام.
ارتفاع أسعار اللحوم: أدى شُح المعروض إلى ارتفاع كبير في أسعار اللحوم في الأسواق المحلية، ما أثقل كاهل المواطنين، خاصة في مناطق النزاع والنزوح.
فقدان سبل العيش: الملايين من الأسر التي كانت تعتمد على تربية المواشي كمصدر دخل رئيسي، وجدت نفسها بلا دخل، مما ساهم في تفاقم معدلات الفقر والجوع.
ثالثاً: الانعكاسات المستقبلية
انهيار البنية التحتية البيطرية: تدمير مراكز الأبحاث، ومحطات التلقيح، وشبكات المراعي سيؤخر عملية التعافي لسنوات طويلة ما لم يتم تدخل خارجي مباشر.
ضعف الجينات والإنتاج: فقدان السلالات الجيدة، وغياب الرقابة العلمية، سيؤدي إلى تراجع الإنتاج الحيواني كماً ونوعاً في المستقبل.
ضياع فرص الاستثمار: قبل الحرب، كان السودان قبلة لاستثمارات أجنبية في قطاع الثروة الحيوانية، لكن تدهور الأمن وانعدام الاستقرار سيحول دون استعادة هذه الثقة في المدى القريب.
زيادة الاعتماد على الاستيراد: مع تناقص الإنتاج المحلي، قد تضطر الدولة في المستقبل لاستيراد اللحوم ومشتقاتها، ما يشكل ضغطاً إضافياً على ميزان المدفوعات.
تمثل الحرب في السودان تهديداً وجودياً لقطاع الثروة الحيوانية، الذي طالما شكل دعامة قوية لاقتصاد البلاد.
إن استمرار النزاع يعني المزيد من التدهور، ليس فقط على مستوى معيشة المواطنين، بل أيضاً على مستقبل الأمن الغذائي والاقتصادي للدولة. ولذا فإن وقف الحرب، وإعادة تأهيل هذا القطاع، واستقطاب الدعم الإنساني والتقني، يمثل ضرورة عاجلة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، وضمان تعافٍ مستدام للاقتصاد السوداني.