مقالات

أسطورة عبد الله جمّاع.. “دراما ود ضيف الله” 

عبد الجليل سليمان 

لا أحد من الرحالة أو المبشرين أو العابرين الذين زاروا السلطنة الزرقاء منذ نشأتها وحتى انهيارها ذكروا أن ثمة رجلاً قاسميّاً اسمه “عبد الله جماع” تحالف مع عمارة دونقس، لم يره أحد، لم يسمع به أحد، كما لم يظهر ولو في إشارة عابرة في سجلات الرحالة العثمانيين والأوروبيين أو المبعوثين الطبيين والدينيين، ولم تشر إليه المدونات الإثيوبية أيضاً. 

حتى ظهر إلينا محمد النور ودضيف الله وذكره في كتابه الطبقات الذي أكمل كتابته عام 1800، على أرجح الروايات. 

(1)

ود ضيف الله نفسه، ولد عام 1740م تقريباً، ودرس في الخلاوي إلى أن بلغ سن الشباب فغادر إلى الحجاز وتلقي بعض التعليم الديني، ولما عاد إلى سنار (السلطنة) وليست المدينة، استقر في الدبة، ثم بربر، ثم الجيلي، وكان يجمع الروايات الشفوية عن المتصوفة والشيوخ، ذلك فهو فقيه وليس مؤرخاً، حيث بدأ مشروع جمعة لسيّر الأولياء والصالحين منذ (1772) حتى (1800)، وتوفي عام 1806م. 

وكتابه الذي عنونه محققوه “الطبقات في خصوص الأولياء والصالحين و العلماء والشعراء في السودان”- ربما بقصدون في (سنار)، هو المصدر الوحيد الذي أشار إلى شخص اسمه عبد الله جمّاع وقال إنه من عرب القواسمة، وعرب هنا بمعنى (بدو) ولا تحمل دلالات إثنية، هو كتاب لذكر مناقب الرجال ومثالبهم، غير ذلك لم يأت على ذكره أحد، حتى المصادر اللاحقة مثل: ” مخطوطة كاتب الشونة” و ” عصر البطولة في سنار”، ولم يذكره ديفيد روبيني ولا جيمس بروس ولا الطبيب كرمب ولا أحد يعرف اسمه الثنائي دعك عن الثلاثي؟! . 

كما ان مجموعة الوثائق الرسمية الخاصة بالدولة السنارية، لم تذكر الرجل ولم تشر إليه. 

(2) 

الغريب في الأمر أن اليهودي من خيبر “ديفيد روبيني” ، عندما زار المنطقة عام 1522، ذكر الملك (Amarah)،/ عماره، وقال إنه كان يقيم في منطقة اسمها (Lam’ul)/ لا مئول/ لامعول ، ورجّح بعض المحققون على رأسهم الشاطر بصيلي عبد الجليل، إنها منطقة (أم حجر) التي تتبع لسيادة إرتريا حالياً؛ وتقع على المثلث الحدودي بين السودان وإثيوبيا وإريتريا على تخوم الفشقة الكُبرى. وقابل مسؤولين كبار في البلاط وزار سنار – وقتها لم تكن عاصمة للسلطنة، وزار سوبا رفقة دليله أبو كامل السواكني، ولم يأت على ذكر عبد الله جماع ولا تلميحاً. 

(3)

لماذا يُشكك معظم الباحثين في وجوده؟

– غياب الاسم تمامًا من المصادر:

– لا يُذكره في أي مصدر معاصر لتأسيس السلطنة.

– غائب عن كتابات الرحّالة والمبشرين والأتراك الذين أرّخوا للفترة.

الطابع الملحمي لأسطورة عبد الله جماع:

* الرواية المتداولة تقدم شخصيتين شبه أسطوريتين (عبد الله جماع وعمارة دنقس) يلتقيان فجأة لهزيمة مملكة نوبية عمرها ألف عام – وهذا بناء درامي أكثر منه واقعي.

البعد السياسي للرواية:

البعض يرى أن ظهور عبد الله جماع في الرواية يخدم سردية التوازن العربي/ فونجي في تأسيس السلطنة الزرقاء، كنوع من “الشرعية المشتركة”.

(4) 

الخلاصة:

– لا يوجد دليل موثق في المصادر الأجنبية أو الرسمية عن شخصية تاريخية حقيقية باسم عبد الله جماع.

– الرواية الشفاهية وحدها تحتفظ به كبطل تأسيسي، لكن لا يسنده التوثيق المعاصر أو الأثري.

– بالتالي، يُرجح أن يكون عبد الله جماع شخصية أسطورية أو رمزية أُدخلت لاحقًا في الرواية الشعبية لتأسيس سلطنة سنار.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى