مقالات

ذاكرة طبقة الأفندية القديمة

حاتم الياس

قصة الوزارات دي مرات عندها أبعاد أسرية، يعني في أسر وعوائل بين الخرطوم وأمدرمان، الوزارات دي تقلدها بتكون صلتهم بها زي صلتهم بأثاث عتيق متوارث من الأجداد: دولاب قديم، كرسي كان يدخن عليه الجد الكدوس، أو عمارة قديمة ما زال ريع إيجارها يدخل الجيوب. لكن ليس المهم ريع الإيجار البسيط، وإنما اسم العائلة المكتوب على جدرانها، بمعنى عادات متوارثة.

واحدة من ملامح حكومة كامل إدريس بتاعت بورتسودان دي، أنها في تعييناتها شغالة بذاكرة طبقة الأفندية القديمة، وكأنها تقرأ خططها من ذاكرة أرشيف مداولات الاتحاد الاشتراكي بتاع نميري، وتريد أن تقول — ويقول معها النسق الطبقي السلطوي —: “نريد أن نعيدكم للزمن الذهبي لطبقة الأفندية، قبل أن تغرق في لجج الأيديولوجيا، إلى عهد هذه الطبقة، حينما كانت الدولة هي نفسها المأثرة، هي الحكاية”.

الإنقاذ بتاعت ناس نافع وكرتي، أسفرت في بدايتها عن توحش الريفيين تجاه هذه الطبقة القديمة، بذاكرة حرمانهم من جاهها ونعَمِها وتأديبها على بُعدها عن الإسلام وشريعته.

بدأت عهدها بإعدام جرجس ومجدي، وقتل علي فضل، أولاد الديم والعمارات. أي أنها في الفترة الأولى، في المساحة التي يفصلها شارع وتجمع أبناءها ذكريات ومدارس، قتلت ثلاثة: اثنان بحجة المتاجرة في العملة، وواحد بسبب السياسة الشيوعية.

ولدي شكوك في هذا الاختيار المسبق، في أنه تم بناء على ترتيب وجغرافيا وإثنيات، أراد الرمزية قبل الدولار وقبل الشيوعية نفسها؟

يعني ما بدأت بإعدام ناس من شندي، ولا ريفي مدني، ولا جابت زول من نيالا قتلته. القصة كانت كلها هي إرهاب ذاكرة حداثة المدينة الحضرية وطبقاتها.

بالتالي، لما تلقوا أسماء مشاهير ونجوم مجتمع بتُختّوا في واجهة حكومة كامل إدريس وممثلي قبائل، فاعلموا أن الإنقاذ عن طريق كامل إدريس تريد أن تعقد مصالحة مع ذلك التاريخ، قائلة:

“شُفتوا؟ نحن وإنتو بقينا عندنا عدو واااحد، جا إدانا علقة كلنا، وشفشنا، وطردنا من بيوتنا، فمعاً دعونا نستعيد المكان بأحزابه وناسه وقعداته وقوناته أولاً، وبعد داك نتفاهم مع بعض.”

هسّع جبنا ليكم كامل إدريس وسلمى والمعز (كنجوم). بكرة احتمال كبير نجيب ليكم صديق منزول، وجاز العقارب، وإبراهيم عوض، وكم بار كده، ودعونا نعتذر عن قسوتنا.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى