
أسهمت الحرب في السودان بظهور مشكلات اجتماعية متعددة ومعقدة، أبرزها ارتفاع معدلات الطلاق بصورة مقلقة بسبب الضغوط النفسية والاجتماعية والاقتصادية التي فرضها الصراع المسلح، بجانب ازدحام المنازل بالعائلات في المدن الآمنة التي أفرزت بدورها مشكلات وخلافات ساعدت في اتساع الفجوة ببعض الأسر، وكذلك عدم توفر حياة كريمة ومتزنة في ظل الاوضاع الراهنة وتوقف أعداد كبيرة من الأزواج عن العمل، مما أدى إلى تصاعد الخلافات وتزايد حالات الانفصال.
وأدي نزوح نحو 12 مليون سوداني بحثاً عن ملجأ آمن في ولايات البلاد المختلفة، وكذلك دول الجوار الأفريقي إلى تفاقم الأزمات الإنسانية وتعقيداتها لدى كثير من الأسر .

إحصاءات صادمة
وبحسب منظمة “لبنة” للتنمية ودراسات المجتمع فإن حالات الطلاق في السودان خلال عام 2023 وصلت إلى 96 ألفاً، مرتفعة عن الأعوام الماضية بنسبة 36 في المئة، إذ تحدث 11 حالة طلاق كل ساعة وأكثر من 8 آلاف خلال الشهر.
ومنذ أبريل 2023 اندلعت الحرب بين الجيش السوداني وقوات “الدعم السريع”، وشهدت البلاد انهياراً اقتصادياً غير مسبوق، وتفاقمت الأوضاع الإنسانية والمعيشية، واشتدت حدة الفقر والبطالة، وتوقفت الأعمال اليومية وعمليات صرف رواتب العاملين بالقطاعين العام والخاص لأكثر من عامين، وبات شبح الجوع يحاصر السكان يوماً بعد آخر.

ضغوط نفسية
هالة عيسى التي تقطن مدينة الأبيض غرب الخرطوم قالت لمنصة (مشاوير) إنها “نزحت مع زوجها وأطفالها الثلاثة من العاصمة بعد تصاعد وتيرة المعارك، وانتقلت للإقامة مع أسرة الزوج، ونتيجة الضغوط النفسية حدثت خلافات بين أفراد العائلة ولم يتمكن زوجها من حل المشكلات، ورفض الانتقال إلى منزل آخر بحجة توقفه عن العمل وعدم مقدرته على تحمل أعباء جديدة، وبعد مرور أشهر بات الوضع لا يحتمل، ووصلنا إلى طريق مسدود انتهى بالانفصال.
وأضافت أنها “تعيش تجربة مريرة بعد طلاقها وتعجز عن الوفاء بالتزامات الأطفال، فضلاً عن المعاناة النفسية للصغار نتيجة فقدان والدهم والضرر المعنوي والمادي الذي تتحمله وحدها بسبب ظروف الحرب وفشل أسرتها في مساعدتها نظراً إلى الأوضاع الاقتصادية الصعبة ونفاد المدخرات المالية.
وأوضحت أن “هناك مشكلات عدة أدت إلى انهيار عدد كبير من الأسر، منها ظروف النزوح وازدحام المنازل بالعائلات وتوقف أعمال الأزواج لفترة طويلة.

خلافات أسرية
لم تتوقع أشواق محجوب نهاية قصة حب دامت خمس سنوات بالطلاق، بخاصة بعد الاستقرار النفسي والاجتماعي لأسرتها طوال تلك الفترة، لكن بعد اندلاع الحرب انتقلت العائلة إلى مصر بحثاً عن الأمان، ومع مرور الوقت تصاعدت حدة الخلافات بين الزوجة وأفراد العائلة الكبيرة.
تقول محجوب، “فقد زوجي عمله وبات لا يتحمل النقاش على رغم التعامل القاسي من والدته وشقيقاته معي، وبعد ستة أشهر غادر إلى السودان، ولم يعد يتكفل بالنفقات، مما اضطرني إلى طلب الطلاق لأنه كان الخيار المثالي بالنسبة إليَّ.
وأشارت إلى أن “تداعيات الحرب الاقتصادية والاجتماعية والنفسية أسهمت في زيادة المشاحنات والمشاجرات بين الأزواج، علاوة على تدخل الأهل والأقارب في الخلافات، وهو ما يجعل من استمرار العلاقة بينهما أمراً مستحيلاً.

أزمات اقتصادية
على الصعيد نفسه، اعتبرت المتخصصة في الشأن الاجتماعي عزاز المهدي في حديثها لمنصة (مشاوير) أن “الصراع المسلح في السودان أدى إلى نزوح آلاف المواطنين إلى جانب تردي الأوضاع الاقتصادية وتعمق الخلافات الأسرية نتيجة السكن الجماعي وعدم وجود الخصوصية في ظل التطلع إلى حياة عنوانها الاستقرار والبعد من المشكلات العائلية.
ولفتت المهدي إلى أن “نسبة كبيرة من حالات الطلاق خلال فترة الحرب تتسبب فيها التدخلات الأسرية، وبخاصة عندما تعيش الزوجة مع أسرة زوجها مما يحدث احتكاكاً متواصلاً يجعلها تطالب بالعيش بعيداً من أهل زوجها، بيد أن إمكانات الزوج لا تسمح بتوفير سكن منفصل نظراً لارتفاع أسعار الإيجارات لمعدلات قياسية، فضلاً عن توقف الأعمال اليومية وعدم صرف الرواتب لأكثر من عامين.
وتتابع “المشكلة أن كثيراً من الزوجات لا يقدرن ظروف الحرب الحالية والأوضاع الإنسانية الصعبة ويتطلعن إلى أحلام وردية لن تتحقق في ظل الواقع الحالي، لا سيما بعدما فقد الغالبية وظائفهم وأعمالهم في الأسواق وباتوا أكثر الفئات تضرراً، ومن جهة الرجال نجد أن هناك نسبة كبيرة منهم استغلوا وضع الصراع المسلح وباتوا لا يهتمون بالمسؤولية وغير مبالين بواجباتهم تجاه أسرهم، مما أدى إلى تزايد مطرد في حالات الطلاق خلال عامين من الحرب.

تزايد متوقع
استشاري الطب النفسي حافظ عبد القادر قال لمنصة (مشاوير) إن “مأساة الحرب في السودان لم تقتصر على القتل والنزوح، بل امتدت تداعياتها المدمرة إلى الإنسان بسبب الضغوط النفسية وصعوبة تعامل العقل مع هذه التجارب القاسية، ومع ازدحام المنازل بالأسر في الولايات الآمنة، وحتى خارج البلاد في دول الجوار تحدث مشكلات أسهمت في زيادة المشاحنات والمشاجرات بين الأسر والأزواج، بالتالي تتزايد ظاهرة الانفصال.
وأوضح عبد القادر أن “الطلاق له آثار سلبية عدة، أولها الشعور بالصدمة بخاصة بالنسبة إلى الزوجة، كما أن محاولات جذب الأبناء إلى أحد الطليقين يؤدي إلى تعقيدات كبيرة للغاية في بناء شخصيتهم وشعورهم بالاهتزاز وعدم الثقة وتنازع المشاعر واضطراب العواطف وحدوث نوع من عدم التوازن النفسي، خصوصاً أن معظم حالات الطلاق في السودان تكون بصورة غير ودية تتبعها إجراءات في المحاكم كالنفقة والبنوة والضرر، وغيرها.
وتوقع استشاري الطب النفسي “تزايد ظاهرة الانفصال في المجتمع السوداني حال استمرار الحرب لفترة طويلة، نظراً إلى تردي الأوضاع الاقتصادية والمعيشية وتفاقم المشكلات المجتمعية والنفسية التي تجعل من الصعوبة بمكان مجاراة الحياة في ظل الظروف الراهنة.