منذ الطلقة الأولى لحرب منتصف ابريل والمدنيون السودانيون يدفعون فواتيرها من أرواحهم ومن ممتلكاتهم من بيوتهم ومن سياراتهم ومن أثاث منازلهم وهم الذين اطلقوا على الحرب حرب “الشفشفة”
في داخل السودان وخارجه لا سوداني لم تطله رصاصات أثر الحرب لا فئة بمنجاة عنها لكن داخل ألم الحرب ثمة ألم آخر يتوقف عنده من دفعوا فاتورة الحرب مضاعفة وتحديدا فئة كبار السن من الجدود والآباء.
في مبتدر رحلة النزوح٦ يحكي كثيرون عن معاناتهم مع كبار السن في سبيل اقناعهم بمغادرة بيوتهم والبحث عن أماكن آمنة . فيأتيهم الرد ” لا أمان يمكن الحصول عليه أكثر من البيت الذي رفعناه طوبة طوبة وقررنا ان نغادره ونحن محمولون على عنقريب نحو القبر” كتعبير عن ارتباطهم بالمكان وتفاصيله يقول احدهم الموت ليس ذلك الذي يأتيك محمولاً في بندقية انا سأموت لو غادرت منزلي ”
في رحلة هروبهم نحو الأمان تحكي الاسافير عن وفاة كبار السن في الطريق قبل وصولهم بينما غادر بعضهم الحياة بمجرد ما وصل آخر نقطة في رحلة هروبه.. ماتوا بعيداً عن بيوتهم التي ما تخيلوا ان الظروف ستجبرهم عاى مغادرتها .
في مأساة الحرب المستمرة يمكنك متابعة مأساة معاناة كبار السن ممن يعانون من أمراض مزمنة هذا بالاضافة لثقافة المجتمع في التعامل معهم وفقاً لقيم التقدير والتبجيل .
بعد اقتحام قوات الدعم السريع لمدينة سنجة وبدء الناس مسيرة هروبهم منها تتابعت المناشدات وهي تبحث عن كبار سن تائهين بعد مغادرتهم منازلهم في ظل الاوضاع غير الطبيعية . وتكررت ذات المشاهد التي حدثت في مدني حين التقطت صور لشباب وهم يحملون كبار السن على ظهورهم في رحلة الهروب؛ مشهد برز ايضاً في الفاشر هذا غير المشاهد التي لم يلتقطها الناس في اماكن أخرى ضربتها نيران الحرب
يتابع الناس “مازن” الشاب من سنجة وهو يحمل جده على ظهره في مسيرة امتدت 11ساعة على الاقدام يشيدون بما فعل مازن ويتمنون له العافية .. في الفيديو المتداول كان ثمة نساء مسنات أخريات يمضين في ذات طريق الرهق بعد ان غادرن بيوتهن دون ذنب في مشهد آخر من مشاهد المعاناة التي لم تتوقف منذ عام ونصف العام سقط فيها 150 ألفا بالموت مع عشرات الآلاف من المصابين والجرحى و12 مليون نازح لا يكاد يستقيم لهم مقام النزوح حتى تجبرهم الحرب على البحث عن مكان آخر .
حسناً .. ومن تداعيات الحرب تقول وكالة “رويترز” ان حجم المقابر ومساحتها تضاعفت ثلاث مرات في دارفور بسبب الحرب والجوع.. وفي امدرمان وبقية المناطق في الخرطوم حول الناس بيوتهم لمقابر . لكن المفارقة هي ان أمنية كبار السن السودانيين الآن هي ان يعودوا إلى منازلهم؛ هم لا يطلبون الحياة التي نالوا منها نصيبهم يرغبون فقط في الموت المريح الذي يعقبه التقدير يرغبون في الموت داخل بيوتهم وان يتبعهم الناس نحو المقابر التي يعرفونها ويعرفون أهلها.