مقالات

الساحل الحاسم

عبد الجليل سليمان

البلدان التي تملك أفضل مواقع استراتيجية عسكرياً في شرق أفريقيا هي (بالترتيب): جيبوتي — إريتريا — الصومال — السودان — كينيا — إثيوبيا. 

التفوّق هنا ليس بالضرورة نتيجة لقوة عسكرية خالصة، بل لمدى قدرة الدولة على تحويل موقعها الجغرافي إلى نفوذ: مضائق بحرية، قواعد أجنبية، موانئ عميقة، وجزر استراتيجية. (راجع تحليلات RAND وBrookings ) حول قواعد التمركز في أفريقي.

جيبوتي — البوابة العالمية

لماذا؟ تقع مباشرة عند مدخل باب المندب، وتستضيف قواعد أجنبية متعددة (الولايات المتحدة، فرنسا، الصين، اليابان، إلخ) ما يجعلها منصة إقليميّة لوجستية استخباراتية وقوة ردع دولية. وجود هذه القواعد يرفع أهميته الاستراتيجية فوق حجمها الصغير.  

إريتريا — الخط البحري

لماذا؟ سواحل طويلة (~1,150 كم) وأرخبيل دهلك (مئات الجزر) قرب باب المندب يمنحان أسمرا قدرة مراقبة بحرية وتأثير على مرور التجارة والطاقة. علاوة على ذلك، تجاربها العسكرية (مناورات سريعة وتدخلات إقليمية) تزيد من وزنها الأمني.  

الصومال — القواعد اللوجستية

لماذا؟ يتمتع بساحل طويل جداً على المحيط الهندي وخليج عدن، وهو ساحل مرغوب من قِبل قوى إقليمية (تركيا، الإمارات، قطر) لأجل قواعد ولوجستيات بحرية — رغم هشاشة الدولة داخليًا. وجود قواعد وأنشطة تركية وإماراتية في الصومال/صوماليلاند يرفع أهميته الإستراتيجية عملياً.  

السودان — المنصة المحتملة

لماذا؟ ساحل على البحر الأحمر وميناء بورتسودان يجعلانه هدفًا لطامعين خارجيين؛ وفي السنوات الأخيرة جرى الحديث عن اتفاقيات لوجستية مع روسيا وغيرها. حالة الانقسام الداخلي اليوم تقلّص فعاليته الفعلية، لكن موقعه يظل ذا قيمة استراتيجية كبيرة.  

كينيا – مكافحة القرصنة 

لماذا؟ ميناء مومباسا وقربها من طرق التجارة في المحيط الهندي يجعلها قاعدة إقليمية مهمة للدول الغربية في مكافحة القرصنة والتهديدات البحرية؛ قوتها العسكرية والاقتصادية الإقليمية تمنحها قدرة تحويل الموقع إلى نفوذ.  

إثيوبيا — القوة الداخلية

لماذا؟ دولة حبيسة بلا منفذ بحري لكنها أكبر دولة من حيث السكان في الإقليم، وتنشط دبلوماسيًا لمحاولة الحصول على منافذ بحرية (ذكْر الاتفاقات مع سَلطات محلية في أرض الصومال/صوماليلاند). قوتها الجوية والبرية تجعلها لاعبًا له تأثير استراتيجي رغم افتقارها للسواحل.  

عوامل الحسم في الترتيب (المعايير المستخدمة):

قرب من مضيق/عنق زجاجة (باب المندب، خليج عدن، قناة السويس).

 وجود قواعد أجنبية/إمكانية تأجير قواعد (مؤشر للقدرة على أن تكون منصة استراتيجية دولية).

 طول الساحل والجزر الاستراتيجية (تحويل الساحل إلى رقابة/منصات بحرية).

 استقرار داخلي وقدرة لوجستية (قدرة الدولة على تأجير مواردها أو الحفاظ على قواعد).

 شبكات تحالفات (دبلوماسية مع قوى عظمى والإقليمية).  

مخاطر وتحوّلات يجب مراقبتها:

التوسع الروسي والصيني عبر قواعد لوجستية قد يعيد تشكيل توازن القواعد في البحر الأحمر والساحل الأفريقي.  

التدهور الأمني الداخلي (السودان، الصومال) يقوّض قيمة الموقع إذا فُقد التحكم المحلي.  

 سباق النفوذ الخليجي-تركي في الساحل الشرقي يغيّر قواعد اللعب عبر عقود إيجار ومبادرات بناء قواعد.  

منظور القوة في شرق أفريقيا اليوم هو مزيج من الجغرافيا (مضائق وموانئ وجزر) والقدرة على تحويل الجغرافيا إلى قواعد ونفوذ عبر عقود مع قوى خارجية. في هذا السيناريو، جيبوتي تظل الأكثر قيمة كقاعدة عالمية، بينما إريتريا والصومال والسودان يمثلون أوراقًا إقليمية أساسية يمكن أن تغيّر توازنات القوى بحسب التحالفات والسياسات الداخلية.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى