
جاء بيان مجلس الأمن الأخير بخصوص السودان – في تقديرنا – في اتجاه دعم تطلعات عموم السودانيين التوّاقين للخلاص من ويلات الحرب والمشفقين من تداعياتها على مستقبل وطنهم، أكثر من كونه في صالح طرف على حساب آخر.
حمل البيان رسائل واضحة لدعم وحدة البلاد، وطالب قوات الدعم السريع برفع الحصار عن الفاشر، ودعا إلى ايقاف فوري للقتال وتهدئة التصعيد في هذه المدينة وما حولها، وأدان الهجمات المُبلّغ عنها في كردفان من قبل أطراف النزاع ودعاهم لتسهيل الوصول الإنساني وحماية المدنيين والالتزام بتعهداتهم في إعلان جدة، وحثّ الدول الأعضاء على الامتناع عن أي تدخل يهدف إلى تأجيج الصراع.
كما رفض الإعلان عن إنشاء حكومة موازية في المناطق الخاضعة لسيطرة قوات الدعم السريع – لكنه في الوقت نفسه لم يأتِ على ذكر حكومة السيد كامل إدريس بوصفها حكومة انتقالية تجاه التحول الديمقراطي، بل شدّد على الحاجة إلى حكومة مدنية تمهد لانتقال سياسي موثوق يقود إلى انتخابات ديمقراطية – وجدد المجلس التزامه بمواصلة دعم السودان وشعبه في تطلعاتهم لاستعادة السلام والأمن والاستقرار.
وغنيٌّ عن القول إن الطريق – الذي لا بديل له – لتجاوز الكارثة الإنسانية وحماية المدنيين والحفاظ على وحدة السودان وتحقيق السلام والاستقرار وتعبيد مسار التحول الديمقراطي، هو أن يتوافق السودانيون على اعتماد خيار الحل السياسي السلمي الشامل والعادل، وهذا ما انتبه إليه مجلس الأمن وأكد عليه بعبارات صريحة:
“الأولوية تكمن في عودة الأطراف كافة إلى طاولة المفاوضات للتوصل إلى إيقاف دائم لإطلاق النار، وتهيئة الظروف اللازمة للتوصل إلى حل سياسي شامل للصراع، بمشاركة جميع الفاعلين السياسيين والاجتماعيين، من أجل إعادة إرساء انتقال سياسي موثوق وشامل يقود إلى تشكيل حكومة وطنية منتخبة ديمقراطياً، بعد فترة انتقالية بقيادة مدنية”.
هذه الأولوية هي، في الأساس، واجب السودانيين؛ فالحرب أكملت أمس شهرها الثامن والعشرين، فيما تتصاعد المعاناة وتزداد الأزمة الوطنية تعقيداً يوماً بعد يوم. والوقت، وإن كان يكاد ينفد، ما زال يتيح فرصةً للاستدراك إذا صدقت النوايا وقدّم الجميع مصلحة الوطن على ما عداها.
بيان مجلس الأمن يضع السودانيين أمام اختبار الوعي بهذه الأولوية والإرادة الوطنية لتحقيقها، ويُذكِّرهم بأن صياغة المصير الوطني بأيديهم – قبل أن يفوت الأوان – وأن العالم قد يسهم بالتيسير والدعم، وقد يملك بعضه أدوات لضغط المتحاربين ودفعهم لإبرام اتفاق سلام هش قابل للانهيار، أو مفتوح على احتمال التقسيم كما في سابقة اتفاق نيفاشا.
السلام العادل المستدام – المفضي للتعافي الوطني والمحافظة على وحدة البلاد – لا يصنعه إلا السودانيون بأنفسهم ولأنفسهم؛ فإما أن يختاروا طريق الحل السياسي السلمي الذي بخاطب جذور الأزمات المزمنة ويطوي صفحة العنف المدمر ويؤسس لبناء وطني جديد، أو يتركوا الحرب تلتهم ما تبقى.
والعاقل من اتعظ من قسوة الحاضر وآلامه وتعلّم من دروس الماضي وخيباته قبل أن تضيع الفرصة ويتبدد الأمل، ويستفيق على واقعٍ مُثقَلٍ بالمزيد من الخيبات والقسوة والألم.