
تصاعد حِدّة الخطاب الإثيوبي الرسمي بشأن “الحق في منفذ بحري”، مع تلميحات إلى إمكانية اللجوء إلى القوة العسكرية، يضع ميناء عصب الإريتري في صدارة المشهد، باعتباره أقرب منفذ جغرافي يمكن أن يلبي هذا الطموح الإثيوبي المتصاعد نحو الحصول على منفذ بحري.
غير أنّ قراءة دقيقة للمعطيات الداخلية والإقليمية تشير إلى أن التصعيد أقرب إلى ورقة ضغط سياسية تستهدف الداخل الإثيوبي والمفاوضات الإقليمية، أكثر من كونه مؤشرًا على حرب وشيكة.
أولاً : المحددات الرئيسية
الطموح الإثيوبي: تراكم تاريخي منذ استقلال إريتريا (1993)، يُترجم اليوم في خطاب يربط الاستقرار الوطني بالوصول إلى البحر.
الوضع الداخلي: تحديات أمنية متفاقمة (تيغراي، أمهرة، أورومو) تجعل الانخراط في حرب خارجية مغامرة محفوفة بالمخاطر.
الوضع الإريتري: تمسّك شديد بالسيادة ورفض لأي اختراق إثيوبي محتمل، مع امتلاك قدرات ردع تقليدية لكنها محدودة.
السياق الخارجي: تنافس دولي حاد على البحر الأحمر ؛ ما يجعل أي صدام مباشر ملفًا دوليًا لا إقليميًا فقط.
ثانياً المواقف الدالة
تصريحات أبي أحمد الأخيرة التي قدّمت “المنفذ البحري” كشرط لبقاء إثيوبيا دولة مستقرة.
بيان وزارة الدفاع الإثيوبية الذي أشار إلى “الاستعداد للدفاع عن الحقوق الوطنية”.
• غياب حشد عسكري واسع النطاق على الحدود مع إريتريا، وهو مؤشر يضعف احتمال الحرب المباشرة.
ثالثًا: السيناريوهات المحتملة:
الضغط السياسي والدبلوماسي (المرجّح):
إبراز خطاب المنفذ البحري لتوحيد الداخل الإثيوبي الممزق.
استخدامه كورقة مساومة في الترتيبات الإقليمية الخاصة بالبحر الأحمر.
تصعيد محدود:
عمليات رمزية أو تحركات عسكرية محسوبة قرب الحدود.
هدفها تعزيز صدقية التهديد دون التورط في حرب شاملة.
حرب شاملة (ضعيف الاحتمال):
مكلفة عسكريًا واقتصاديًا، وتزيد من احتمالات تدخل خارجي مباشر.
قد تعجّل باضطراب داخلي إضافي في إثيوبيا نفسها.
رابعًا: التقدير المرجّح:
الاحتمال الأقوى أن تستمر الأزمة في إطار التصعيد السياسي والإعلامي، مع تجنّب خيار الحرب المباشرة.
إثيوبيا تفتقر إلى الغطاء الدولي والدعم العسكري الكافي لفرض سيطرتها على ميناء عصب بالقوة. ومع ذلك، فإن استمرار التصريحات النارية يرفع مخاطر الانزلاق غير المقصود إلى مواجهة محدودة، خصوصًا إذا ترافق مع تحركات عسكرية غير منسّقة على الأرض.
خامسًا: التوصيات:
إقليمياً: تكثيف جهود الوساطة الاستباقية لتخفيف التوتر وضبط لغة الخطاب.
دوليًا: دعم مشاريع النقل والموانئ البديلة (مثل جيبوتي وبربرة) لتقليل الاعتماد الإثيوبي على خيار واحد.
للمراقبين الاستراتيجيين: متابعة دقيقة لأي تحركات لوجستية إثيوبية باتجاه الحدود، إذ تمثل المؤشر الأوضح للتحوّل من الضغط السياسي إلى العمل العسكري.