أخبار

ما بين الجنجويد والسودان الجديد.. (فظائع) 1- 10

منذر مصطفى (*)

قدمت الآلة الإعلامية لقوات الدعم السريع، قبل بدء العمليات العسكرية في مواجهة القوات المسلحة في عام 2023، خطابا إعلامياً متعالياً، ونصبت نفسها كقيادة بديلة لثورة 2018، ومدافعاً عن شعاراتها.. وحافظت على هذا الخط التحريري لقرابة عامين، بعدما تخلصت ظاهرياً فقط من الشعارات العروبوإسلاموية التي بُنيت عليها عقيدتها القتالية منذ تكوينها.

وشكلت، لهذا الغرض، تحالفاً مُتحكم به في إثيوبيا بعد شهور من اندلاع القتال، لتعبئة الرأي العام، موسوماً بـ”تقدُّم”، وقد ابتلع صغار النشطاء الطُّعم، بعد تدفق المنح والإعانات الشخصية، بغطاء من بعض المنظمات الوطنية والدولية الوازنة.. لكن تواتر فظائع الجنجويد على الأرض فضح مخططها، وسرعان ما تراجع الدور السياسي لذلك التحالف، وتصاعد صوت “برلمان الشباب – السودان” مناهضاً للحرب.

وبعدما يئس الجنجويد من السطو على مشروع “الحرية، السلام، والعدالة”، أعادوا توجيه حزمة الحوافز والامتيازات إلى مشروع “السودان الجديد”، وأنشأوا تحالفاً جديداً معه في كينيا بداية العام الجاري، موسوم بـ”تأسيس”.. وكالعادة، تمت إضافة عناصرهم الاستخباراتية في الطوائف الرئيسية (الأنصار، الميرغنية، الجمهوريين، الكيزان) كمقبلات دعائية للحاضنة السياسية الجديدة.

وبعد تدشين إعلان الجنجويد الأخير، وتهديدهم المستمر بتكوين حكومة انفصالية في مناطق سيطرتهم، والسعي لتوسيع رقعتها لتشمل كل الحدود السياسية للسودان، ومحاولة الترويج المستميت من حلفائهم الجدد لمشروع “الخلاص المزعوم”، تراجع دورهم الميداني إلى مستويات غير مسبوقة، كما واجه داعموهم قضايا دولية قلّصت من موقفهم السياسي.

قد يستغرب القارئ من إلحاح الجنجويد هذا.. على وجود غطاء سياسي، ويُرجع المراقبون ذلك إلى طبيعة تصميمهم كـ”قوة قتالية”، مما يعني أن هياكلهم وعملياتهم تعمل بمعزل عن الأجندات السياسية وتفاعلاتها، وتتغير الأخيرة في أي وقت، اعتماداً على المهمة التي يقومون بها.. ومن المعروف في الأدبيات أن القوات القتالية إما أن تكون احترافية تعمل تحت إمرة حكومة شرعية، أو مرتزقة.

أما بالنسبة لمشروع “السودان الجديد”، الذي يتطابق في أجندته مع المشروع الوطني (ثورة ديسمبر 2018)، فيختلف عنه في أسلوب العمل؛ حيث يعتمد جيل السودان العظيم على منهج وأدوات العمل السلمي في إحداث التغيير، بينما يراهن عبد العزيز الحلو وأتباعه على قوة السلاح، لتكرار تجربة فشلت في معظم دول القارة الإفريقية، بما في ذلك جنوب السودان.

صحيح أن الحركة الشعبية – قيادة الحلو، حافظت على نقاء أيديها من الفظائع الجماعية لفترات ليست بالقصيرة، ويُعزى ذلك إلى طبيعة المنطقة التي تسيطر عليها وحجمها مقارنةً بتنوع البلاد ومساحتها، مما يجعل تجربتها غير متناسبة مع ادعائها بإحتكار قيادة مشروع “السودان الجديد”… وهناك بالفعل أكثر من 30 حركة مسلحة ومدنية تزعم ذلك أيضاً.

وهذا ما يدفع العقل الجمعي للتساؤل: ما جدوى هذا الارتباط؟ هل يريد الجنجويد حماية ظهرهم من الجيش الشعبي فقط؟ أم أنها بروباغندا إعلامية للمحافظة على ما تبقى من الكتلة القتالية، بما في ذلك ضمان ضخّ الخزانات البشرية للمقاتلين في الحرب؟ لقد تأذت بالفعل المجتمعات المفتوحة لتجنيد المقاتلين من حالة الارتباك، وفرض سوء سمعة على قيادتها لا يمكن تجاوزها، بالاضافة للتحديات المصيرية القاهرة على أُسَر الجنود.

نعم، لا يمكن النظر إلى حرب أبريل على أنها بمعزل عن الحروب الأهلية منذ عام 1955، لكن لا يمكن وصفها بأنها امتداد لها، ولن تفلح الجهود الرامية لربطها بها بصورة فنتازية.. لسببين: أولا، سبقت الأجندة الخارجية الأجندة الوطنية، وثانيا، سبق القتال الحوار، مما يحتّم استبدال قيادتها بدءاً، ثم إعادة هيكلتها وظيفياً وسلوكياً.. والأمران دونهما الفناء بالنسبة للجنجويد، ويعلم أتباع الحلو ذلك جيداً، وقد تيقنوا منه أثناء مفاوضات جوبا عام 2020.

(*) باحث بمعهد السياسات العامة – السودان

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى