
تتصاعد مخاوف سكان الخرطوم العالقين داخل المدينة والآتين من مناطق النزوح واللجوء من كارثة بيئية خطرة تحدق بالعاصمة خصوصاً بعد تحلل الجثث في الشوارع وكثير منها لم يدفن أو يدخل المشارح لتشكل أكبر الهواجس والمخاطر على البيئة والصحة العامة.
وعقب تحرير الخرطوم من قبضة قوات “الدعم السريع” تم العثور على كثير من القبور الفردية والجماعية، بعضها معلوم مكانه كمقابر موقتة داخل المنازل أو خارجها في الشوارع والميادين العامة، إذ اضطر السكان إلى دفن جثامين أقاربهم نتيجة تعذر الوصول إلى المقابر.
حملات منتظمة
إلى ذلك، بدأت هيئة الطب العدلي التابعة لوزارة الصحة بولاية الخرطوم، بالتعاون مع قوات الدفاع المدني وجمعية الهلال الأحمر السوداني، في جمع الجثث المتحللة وتطهير الطرقات والمرافق الحيوية والمنازل في محلية شرق النيل، ضمن عمليات إزالة مخلفات الحرب.
وأكدت هيئة الطب العدلي استعدادها الكامل لمواصلة مهماتها، والاستجابة لأية بلاغات من المواطنين في شأن وجود جثث في المنطقة.
مخاطر صحية
في السياق دعا، الناشط في مجال البيئة حسن جبريل في حديثه لمنصة (مشاوير) إلى ضرورة التحرك العاجل لمعالجة ما يمكن تداركه لتخفيف الآثار البيئية والصحية عبر نقل الجثث ودفنها بالطريقة القانونية والشرعية مع حفظ البيانات والمعلومات الكاملة المتعلقة بها، لا سيما أن بعضها يرتبط بقضية فض اعتصام القيادة وقضايا جنائية كبيرة أخرى.
وأضاف : من الضروري أن تتم مسألة التعقيم والنظافة بالمطهرات والمبيدات، وهي من مطلوبات النظافة كأمر عاجل.
وناشد جبريل وزارة الصحة والمهتمين بمجال الصحة العامة أن يتفهما هذا الوضع الكارثي الذي سيؤثر في آلاف المواطنين، خصوصاً أن فصل الخريف تبقى له أقل من شهر، وستنقل مياه الأمطار بقايا الجثث والميكروبات المختلفة الناتجة منها، مما سيتسبب في الأوبئة والأمراض بصورة كبيرة.
وتابع : الوضع بات يتطلب من شدة خطورته تدخل المجتمع الدولي بصفة عاجلة للحفاظ على حياة المواطنين والبيئة.
إحصاءات صادمة
وتشير الإحصاءات إلى أنه جرى حصر أكثر من 1900 مقبرة موقتة داخل المنازل أو في الشوارع والساحات والميادين العامة بولاية الخرطوم.
وعثرت الحملات عقب تحرير مدينة الخرطوم بحري ومحلية شرق النيل على نحو 185 جثة مجهولة الهوية لمدنيين وعسكريين يعود بعضها لبدايات الحرب.
وشكلت واقعة العثور على جثث عدد من النساء داخل بئر (سبتك تانك) بأحد المنازل في حي شمبات بالخرطوم بحري، الحادثة الأكثر قساوة ومأسوية بسبب حجم الفظائع ومستوى القهر والتعذيب الذي تعرضن له قبل قتلهن والتخلص من الجثث.
كارثة بيئية
في سياق متصل، حذر المتخصص في الطب الشرعي سامي عمر، من تفاقم الوضع وتحوله إلى كارثة حقيقية في ظل استمرار الحرب التي تركت المشارح من دون كهرباء أو كوادر فتحللت الجثث وأصبح الناس يشكون الروائح الكريهة المنبعثة منها، لكن الأخطر من كل ذلك هو انتشار الأمراض والأوبئة المختلفة.
وتوقع عمر حدوث تداعيات صحية وبيئية كبيرة لهذه المشكلة، فمشارح عدة في مناطق بولاية الخرطوم لم يعد ممكناً الوصول إليها، وحتى لو تم ذلك فسيكون قد فات أوان معالجة الأمر بعد أن تحللت الجثث داخلها وتحولت إلى معضلة حقيقية.
ويخشى المتخصص في الطب الشرعي أن تكون الجثامين في تلك المشارح قد تعرضت للأكل والنهش بواسطة الكلاب والقطط الضالة بعد أن هاجمتها الفئران في وقت سابق، وأصبحت بعد الحرب لا تختلف عن تلك الموجودة في الشوارع.