
يبدو أن كل ما كان ينبغي أن يكون في هذه الحرب، هو الآن قد كان.
ولم يتبق سوي أن نري رأي العين، حكمة الله بارزة، وراء كل هذا الذي كان.
فإن لبابا قد تم سلبها، وعقولا طاش صوابها، لابد أن تؤوب يوما لتثوب الي رشدها، رغم كل هذا الخسران، والعنت والعناء.
علي أية حال يُقال:
“إذا أراد الله أمراً بامرىءٍ
وكان ذا عقلٍ ورأيٍ ونَظَرْ،
وحيلةٍ يعملها في دفع ما
يأتي بِه مكروهُ أسبابِ القَدَرْ،
غَطَّى عليه سمعَه وعقلَه
وسَلَّه من ذهنه سلَّ الشّعَرْ،
حتى إذا أنفذ فيه حكمه
ردّ عليه عقلَه ليعتبرْ”.
إذن فالأمر كله لله هو من قبل ومن بعد، تؤكده آية قرآنية تقول: “وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا”.
أنظر كيف إستنبط الشيخ الشعراوي من هذا المعني نصحا يقول:
“لا تقلق من تدابير البشر، فإن أقصى ما يستطيعون هو تنفيذ إرادة الله”.
إذ يُحكي في قصة طريفة أخري: إنَّ سليمان عليه السلام، قد صَادَفَ في أحَدِ الأيَّامِ نِسْرًا عَظيمًا.
وكانَ النِّسْرُ يُحَلِّقُ بِسَيِّدِنا سُلَيمان، فسألَهُ النسرُ ماذا ترى؟.
أَجابَهُ: هَيْكَلي العَظيم والناسُ تَدْخُلُ وتَخْرُجُ.
ثُمَّ حَلَّقَ به أعْلى وسألَهُ ماذا ترى؟.
فأجابَهُ أرى القُدْسَ ولا أُمَيِّزُ هَيْكَلي، ثُمَّ حَلَّقَ ثانِيَةً وسألهُ: ماذا ترى؟.
فأجابهُ سُلَيمان: لا أرى شيْئًا.
ضَحِكَ النسْرُ وقال: أنا أرى نَمْلَتين تتَقاتَلانِ على حَبَّةٍ مِنَ الحِنْطَةِ.
فقالَ سليمان: أَنْزِلْني لِأَراهُما، فَذُهِلَ عندما رآهُما وأشَادَ بالنسر.
فَرَنَّحَ الغُرورُ هذا النسر ووقعَ في شِرْكٍ كان أمامَهُ، فَصاحَ أَنْقِذْني يا نبي الله.
فتبسَمَ سيِّدُنا سليمان قائِلًا: كيف إستَطَعْتَ أنْ ترى النمْلَتين مِنَ الجوِّ ولم تستَطِعْ أنْ ترى وأنت على الأرضِ الشِّرْكَ المنصوبَ لكَ؟.
أجابَ النسرُ: إذا وَقَعَ القَدَرُ عَمِيَ البصر.
وهنا يقول سبحانه وتعالي تأكيدا لحقيقة سلطان القدر حتي علي الأحوال في الحروب:
“وَلَوْ شَاء اللّهُ مَا اقْتَتَلُواْ وَلَـكِنَّ اللّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ”.
بل أستطيع أن أقول: إن هذه الحرب ما هي، إلا شركا أعمي القدر عن مصيدته بصر “الإخوان المسلمين”، فأوقعوا فيه أنفسهم والبلاد كما نري.
عموما فالإقتتال كره، لولا أن الله قادر علي أن يفعل كل ما يريد، لما وقع بين الناس يوم كريهة كهذه الحرب، التي جاء أبلغ ذم لها في أبيات بمُعلّقة زهير بن أبى سُلمى تقول:
“وما الحربُ إلا ما علِمتُمُ وذُقتُمُ،
وما هو عنها بالحديث المُرجَّمِ،
متى تبعثوها تبعثوها ذميمةً،
وتَضرَ إذا ضريتموها فتضرمِ،
فتعرُككم عَرْكَ الرَّحى بثفالِها،
وتلقح كِشافا ثم تنتجُ فتُتمِ”.
ولعل إستمرار الأمر علي ما هو عليه الي الآن علي الأقل، يملي أن ندرك قول هذا القائل:
“لا يصلح الناس فوضى لا سراة لهم
ولا سراة اذا جهالهم سادوا
تلفى الأمور بأهل الرشد ماصلحت
فان تولوا فبالأشرار تنقاد”.