مقالات

في ذم التحالف مع الجنجويد- (٣)

د. أحمد عثمان عمر (*)

في تأكيد جلي وواضح للطبيعة الإجتماعية لمليشيا الجنجويد الإرهابية، المكونة من قيادة رفعت لعضوية فئة الرأسمالية الطفيلية، من مواقع قاعدة من البروليتاريا الرثة التي تقع دائماً في أحابيل البرجوازية وتخدمها عبر نشاطها الإجرامي، تأتي الجرائم المروعة التي إرتكبتها قيادتها وقاعدتها معا. ولسنا في حاجة للقول بأن القيادة مسئولة عن جرائمها وجرائم القاعدة معا، لأنها بين حالة من ثلاثة حالات: إما أنها أعطت الأوامر بإرتكاب الجرائم أو لم تقم بمنعها وهي قادرة على ذلك أو لم تقم بمحاسبة مرتكبيها بعد وقوعها، وهي لا تستطيع أن تتنصل من هذه الجرائم المروعة. 

ولعله من الأفضل أن نبدأ بقصفها وتدميرها للمنشآت المدنية المملوكة للشعب السوداني بدلا من الإكتفاء بقصف المنشآت العسكرية فقط ومراكز العدو المسلح، لأن هذه الجرائم تم إرتكابها بعد أن تبنت المليشيا الإرهابية برنامج الحركة الشعبية شمال وتحالفت معها أيضآ ولم تقع في الماضي فقط. فهاهي المليشيا المجرمة تقصف خزانات الوقود في بورتسودان وكوستي ومطار بورتسودان المدني ومنشآت إنتاج الكهرباء في الشمالية ونهر النيل، وقصف وتدوين المدنيين في معسكر زمزم وفي مدينة النهود، وقتل المواطنين والأسرى خارج نطاق القانون ودون محاكمات كما تم في الصالحة وفي مدينة النهود. وهذه الجرائم الموثقة، يجرمها القانون الجنائي الدولي قبل القانون الجنائي السوداني، ولا ينفع إدعاء المعاملة بالمثل في رد فعل لجرائم الجيش المختطف دفاعا يعفي من المسؤولية عنها. 

سبق ذلك إرتكاب المليشيا الأرهابية جرائم فظيعة ومروعة في إقليم دارفور ، أيام خدمتها لنظام المخلوع البشير، ومن ثم قامت بإرتكاب جريمة الإبادة الجماعية المحرمة دوليا ومحليا بإبادة قبيلة المساليت في أحداث الجنينة الشهيرة، و إرتكاب جرائم حرب في ولاية الجزيرة وفي منطقة تمبول ومدينة رفاعة ومنطقة الهلالية، شملت تجويع المواطنين المدنيين. وقامت طوال الحرب بطرد وتشريد المواطنين من منازلهم واحتلالها ونهبها، وإحتلال المنشآت الخدمية كالمستشفيات وتدمير الأسواق وقطع سلاسل إمداد المواطنين بالمؤن الضرورية للحياة والعلاج بما في ذلك الأدوية المنقذة للحياة. وجميع هذه الجرائم تسأل عنها قانونا قيادة المليشيا اولاً، وقواعدها الذين إرتكبوها بالإشتراك وليس بشكل فردي. 

أما الجرائم التي إرتكبتها قيادة المليشيا الإرهابية وتسأل عنها كفئة أصيلة من فئات الرأسمالية الطفيلية دون القاعدة المكونة من البروليتاريا الرثة، فهي لا تعد ولا تحصى ولا يمكن حصرها في هذه العجالة. ولكننا نمثل لها بالجرائم الحديثة إبتداءا من المشاركة في انقلاب القصر الذي نفذته مع اللجنة الأمنية للإنقاذ لقطع الطريق أمام ثورة ديسمبر المجيدة ومشاركتها في المجلس العسكري الإنتقالي، وكذلك إنقلاب أكتوبر 2021م ضد الحكومة شبه المدنية، وجريمة فض إعتصام القيادة العامة، وجرائم قتل المتظاهرين السلميين، وجرائم تخريب الإقتصاد الوطني وأهمها تهريب الذهب الذي أصبح هناك شاهد مهم عليه هو نائب رئيس جمهورية كينيا السابق، الذي افاد علنا بأن قيادة المليشيا الإرهابية تقوم بعملية غسيل الذهب المهرب في كينيا بالشراكة مع رئيسها، لبيعه نظيفا في الشرق الأوسط، وبذلك حتما ترفع الحرج عن الكفيل مشتري الذهب. 

الجرائم أعلاه بينتها جميعا حاضرة وكافية للإدانة بموجب القانون الجنائي الدولي والوطني، لمخالفتها اتفاقيات جنيف وبروتوكولاتها، وميثاق روما للمحكمة الجنائية الدولية، والقانون الجنائي في مواده من المادة (50) تقويض النظام الدستوري إلى المادة (57) تخريب الإقتصاد الوطني، ومعظم المواد من (186) إلى (192) المتعلقة بالجرائم ضد الإنسانية، وقانون مكافحة الارهاب لسنة 2001، وقانون القوات المسلحة الذي ينطبق باب العقوبات فيه على مليشيا الجنجويد الإرهابية بموجب قانون الدعم السريع. ولا يجوز السماح بإفلات اياً من مرتكبي هذه الجرائم المروعة التي تعكس سلوكا إجراميا منتظما لا عارضا من العقاب. والتحالف مع مليشيا الجنجويد، يعني حتما إعفاء قيادتها تحديدا من المسؤولية في سودان السلام الجديد المزعوم، إذ لن يستطيع حلفائها تقديمها للمحاكمة، لأنهم لم يتفقوا معه على ان تقدم نفسها تحديدا للمحاكمة، ولأنه لا يعقل أن تقدم قيادة الدولة الجديدة ذات الحصانة للمحاكمة، ولأنه لا يمكن أن تقدم قيادة قوات هي اساس الجيش الجديد والقوات النظامية الجديدة، وهي من سيكون الأجهزة العدلية للمحاكمة العادلة. 

ويبقى ان نسجل ان سلوك القيادة الرأسمالية الطفيلية والقاعدة من البروليتاريا الرثة ليس طارئا أو لحظيا أو مرتبط بالحرب الماثلة، فهو ممتد منذ تأسيسها وحتى هذه اللحظة وسيستمر، فجرائم الفئة الرأسمالية الطفيلية الإسلامية مستمرة منذ العام 1989م ولم تتوقف ولن تتوقف، لأنها بطبيعتها الاجتماعية معادية للشعب. وكذلك جرائم البروليتاريا الرثة المنظمة تحت هذه القيادة والتي تعتبر الجريمة أسلوب حياة لها لن يتوقف. فلا القيادة مستعدة للتوقف عن تهريب الذهب وتخريب الإقتصاد الوطني وتجريد نفسها من ثروتها مثلاً، ولا القاعدة تعرف لنفسها وسيلة لكسب العيش غير النهب والسلب وهي معروفة في مناطقها بإسم (الكسيبة). 

والسؤال المباشر هو: كيف يمكن تحقيق شعار ثورة ديسمبر المجيدة ( الثورة خيار الشعب حرية سلام وعدالة) بالتحالف مع هذه المليشيا الإرهابية ، وكيف يمكن جلبها قيادة وقاعدة للعدالة ومحاسبتها عن هذه الجرائم المروعة؟ والإجابة الأمينة هي إن التحالف مع المليشيا الإرهابية يعني حتما إفلاتها من العقاب، واستحالة محاسبتها وتقويض العدالة مطلقا وإسقاطها كأحد أضلاع شعار ثورة ديسمبر المجيدة، مما يعني ان هذا التحالف معادي لثورة الشعب وضد أهدافها، مهما كتب من أوراق ووقع من مستندات تقول عكس ذلك. 

والمطلوب هو جلب هؤلاء المجرمين للعدالة وإن طال الزمن، عبر التمسك بشعار الثورة الخالد ( الثورة ثورة شعب والسلطة سلطة شعب والعسكر للثكنات والجنجويد ينحل). 

(*) كاتب و باحث قانوني

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى