مقالات

في ذم التحالف مع الجنجويد- (٥)

د. أحمد عثمان عمر (*)

في السياسية السودانية تبقى هنالك دائما اسئلة لا توجد لها اجابات مباشرة، لأن القوى المعنية بالإجابة على هذه الأسئلة، تصمت إزاءها صمت القبور، بإعتبارها اسئلة فاضحة تهزم جميع التبريرات الواهية لارتكاب أخطاء إستراتيجية بدعوى التكتيك والواقعية في وضع هو في افضل أحواله يصبح إنتهازية سياسية. فتغليب التكتيكي على الاستراتيجي هو الانتهازية بعينها ولا شيء سواها. ومن أمثلة هذه الأسئلة ما يلي من تساؤلات: 

هل التحالف مع الجنجويد سيوقف قيادتهم من تهريب الذهب وغسله في كينيا بالشراكة مع رئيسها وفقا لشهادة نائب الرئيس الكيني السابق، أم لا؟ وإذا كانت الإجابة نعم فالسؤال هو كيف ولماذا، وإن كانت الإجابة لا وهي كذلك حتما، كيف يتم التحالف مع تنظيم قيادته تهرب ثروة الشعب السوداني وتمارس الجريمة على نطاق دولي، ويسمى هذا التحالف تأسيسيا لبناء سودان جديد؟ 

وكيف سيتم جلب قيادة الجنجويد للعدالة ومحاكمتهم عن جرائمهم في دارفور قبل ثورة ديسمبر، وجرائمهم المتمثلة في المشاركة في إنقلاب القصر ومذبحة فض الإعتصام و إنقلاب اكتوبر ٢٠٢١ المعروف بانقلاب الموز الذي إعتذر عنه زعيم الجنجويد في إعتراف مشهود بإرتكاب الجريمة، وجرائم الحرب والإبادة الجماعية ومنها إبادة المساليت وجرائم استهداف البنية التحتية المدنية، وتهجير المواطنين ونهبهم وقتلهم وتعذيبهم ؟؟ إن كانت الإجابة هي بأنهم سيجلبون إلى العدالة في دولة تأسيس، يبقى السؤال كيف سيتم ذلك ومن سيقوم بالمهمة وبأية أدوات ستتم؟ وفوق ذلك يبقى السؤال الأهم وهو هل سيتم تسليم هذه القيادة المجرمة لمحكمة الجنايات الدولية فيما إذا طالبت بتسليمها أسوة بقيادة الحركة الإسلامية المجرمة المطلوبة للقضاء الجنائي الدولي أم سترفض دولة تأسيس التعاون مع المحكمة كما رفضت سلطة الجيش المختطف؟ 

كيف سيتم تكوين اجهزة عدلية مستقلة عن السلطة التنفيذية استنادا لمبدأ فصل السلطات، وقضاء مستقل في ظل دولة قيادتها بالأساس مطلوبة للعدالة بجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية؟ ومن الذي سيقوم بتكوين هذه الأجهزة العدلية المستقلة التي يجب ان تحاكم قيادة الدولة الجديدة المجرمة ؟؟ هل سيشارك المجرمون المعترفون بارتكاب جريمة انقلاب اكتوبر ٢٠٢١م علنا وعلى رؤوس الأشهاد في تكوين هذه الأجهزة العدلية، علما بأن هذه الجريمة وحدها عقوبتها تصل إلى الإعدام وفقا للقانون الجنائي ساري المفعول وقتها؟ هل سيتم جرد حساب قتل المتظاهرين السلميين الذي شاركت فيه المليشيا مع قيادة الجيش المختطف أم لا، وإذا كان سيتم هل قيادة الجنجويد مستعدة لتقديم نفسها للمحاكمات العادلة، وإذا كان لا وهذا هو الأرجح ، ألا يعد ذلك إفلاتا من العقاب ومخالفة صريحة لأحد أعمدة شعار الثورة الأساسي وهو العدالة ” الثورة خيار الشعب حرية سلام وعدالة “؟؟. 

فيما يخص سياسة المليشيا الأرهابية الخارجية، هل من الممكن منعها من توطيد علاقتها مع القيادة الكينية الحالية والاستمرار في دعمها؟ هل من الممكن إيقاف علاقتها المعلنة مع جهاز الموساد؟ هل من الممكن فك الارتباط بينها ودولة الإمارات العربية المتحدة المتهمة بدعمها ماليا وعسكريا وتجيير هذه العلاقة لمصلحة الشعب السوداني في إطار دبلوماسي صحي؟ هل من الممكن منع المليشيا الإرهابية من بيع نفسها كبندقية للإيجار في الحروب الإقليمية ؟ والإجابة الأمينة على كل هذه الاسئلة بالطبع هي لا، فالمليشيا غارقة كليا في هذه العلاقات المتسقة تماما مع طبيعة قيادتها الطفيلية التي لن تقوم بنفي نفسها وإلغاء طرق كسبها لعيشها. وهذه الإجابة المباشرة على هذه الأسئلة، تفضح طبيعة التحالف مع مليشيا الجنجويد الإرهابية. 

فالمليشيا الآن تحت قيادة فئة من الرأسمالية الطفيلية رفعتها الفئة الأصلية الإسلامية لنادي التطفل، وهي التي تحدد سمتها ومركزها الإجتماعي ومصالحها، وهي التي تقود قاعدتها المكونة من بروليتاريا رثة. وربما توهم البعض ان تعريف البروليتاريا الرثة لا ينطبق على القواعد لأنها ليست حضرية أو مدينية ، وينسى ان جميع سمات البروليتاريا الرثة الأساسية تنطبق عليها. فهي تقع خارج العملية الإنتاجية ، وهي تكسب قوتها من الجريمة والنهب والسلب، وهي ليس لديها مشروع سياسي خاص بها، كما أنها تقع في أحابيل البرجوازية وتخدمها. فالشاهد أنها مليشيا كونتها الرأسمالية الطفيلية الإسلامية في المركز، لإستخدامها ضد الهامش الإجتماعي وضد مصالح مناطقها نفسها، بعد أن إستغلت نتاج الجفاف والتصحر وشح الموارد، الذي اخرج هذه المجموعات من العملية الإنتاجية حتى في مستواها الرعوي، ودفع بطلائعها لممارسة النهب المسلح، وأسس لاستغلالها من قبل الفئة الاجتماعية الطفيلية المسيطرة. 

فالرأسمالية الطفيلية على عكس الرأسمالية المنتجة في فرنسا وقت التراكم الرأسمالي، لم تنتج بروليتاريتها الرثة في المدينة والحضر، لأنها أصلا لا تملك القدرة ولا الرغبة في المشاركة في العملية الإنتاجية وبناء صناعة، ولأنها لا تنتج بروليتاريا صناعية أصلا بل تقوم بتكسير الصناعة وهدم أسسها، بل بتشريد البروليتاريا الخدمية أيضا كما فعلت مع عمال السكك الحديد. وفوق ذلك هي رأسمالية تابعة للقوى الاستعمارية الإقليمية وغير مستقلة، أنتجت يروليتاريتها الرثة في الأطراف لا في المدن المركزية واستغلتها كمليشيا ضد من قاتلها من تلك المناطق، كما استغلت ما هو موجود تحت يديها من بروليتاريا المدن المركزية الرثة ايضا ونظمته في شكل عصابات (٩ طويلة) لنهب وترويع المواطنين. 

بقي ان أقول بأن ما تقدم هو جهد شخصي محض لا ادعي صحة مطلقة له بل هو اجتهاد يقبل الصحة كما يقبل الخطأ، ولا يجوز نسبته لأي جهة أو تنظيم وخصوصا الحزب الشيوعي السوداني، لأني لست عضوا عاملا بهذا الحزب من ناحية، ولأنه لم يتبن مثل هذا الفهم في اي منبر من منابره من ناحية أخرى ، كما انه لا يجب محاكمة هذا الإجتهاد بما فهمه كارل ماركس وأورده في كتابه الثامن عشر من برومير أو في بيانه الشيوعي، لأن هذا التحليل مرتبط بالسودان وخارطة الصراع الراهنة فيه وليس بوقت تلك المساهمات التاريخية التي لا تصلح حكما على واقع مغاير. وبهذا اختم هذه السلسلة، لأبدأ في المقال القادم سلسلة ” في ذم التحالف مع الجيش المختطف ” بإذن الله.

 

(*) كاتب وباحث قانوني

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى