
بدا لافتًا أن “أبو حذيفة السوداني”، المرتبط بتنظيم القاعدة، كان قد أشار إلى مجيء الحرب إلى السودان قبل نحو ستة أشهر من اندلاعها، وذلك في كتاب أصدره في أكتوبر من العام 2022، بعنوان: “الآن جاء القتال.. رسائل حرب إلى المجاهدين في السودان”.
دعا فيه إلى “سودنة” الجهاد، مؤكدًا أن السودان مقبل على حالة قتالية وشيكة، مشيرًا إلى أن بيئة الدولة الداخلية قد باتت مهيأة تمامًا لحدوث تغيير مسلح.
فأبو حذيفة السوداني، أحد أبرز قادة تنظيم “حراس الدين” حاليًا، شارك في القتال بأفغانستان والعراق، قبل أن يعود إلى السودان بعد فترة قضاها سجينًا في المملكة العربية السعودية.
وقد شدد فور وصوله على أن الفوضى في السودان تُشكّل فرصة مثالية لنشر الجهاد في البلاد، حاثًّا على تشكيل خلايا جهادية وتنفيذ عمليات عسكرية تستهدف ما وصفه بـ”واجهات الكفر العالمي”، مناديًا بضرورة إطلاق عمليات مسلحة واسعة النطاق.
وقد حدد في كتابه عددًا من المدن السودانية كنقاط انطلاق للعمل الجهادي، معددًا منها: دنقلا، عطبرة، شندي، بورتسودان، كسلا، مدني، كوستي، كردفان، دارفور، إضافة إلى بعض أحياء العاصمة الخرطوم.
شهوة تغيير العالم:
وفي تطوّر ذي صلة، كانت فيديوهات بثت على مواقع التواصل الاجتماعي قد أظهرت المصباح أبو زيد طلحة، قائد ميليشيا “البراء بن مالك” الإسلامية، مُعلنًا أن مشروعه هو الدفاع عن المظلومين في جميع أنحاء العالم.
كما قد نشر تغريدة على منصة (X) قال فيها:
“نعلن كامل تضامننا مع الفلسطينيين ضد المخطط (الصهيوأمريكي) لتهجير سكان غزة، ونؤكد جاهزية كتائب البراء بن مالك للزود عن الأقصى بدمائنا وأرواحنا فداءً للأمة الإسلامية وأهل فلسطين الحبيبة.
ونحذر الدول الغربية والعربية المساندة للمخطط الصهيوني بأن جنود الله وحراس الأقصى لكم بالمرصاد.”.
وعليه، يبدو أن هذا السياق الجديد لكتائب “البراء بن مالك”، وانفتاحها على قضايا إقليمية ودولية، من شأنه أن يتيح لأفكار أبي حذيفة السوداني فرصة للتطبيق العملي لما أعلنه في عام 2022، على أرض السودان.
فالحركة الإسلامية لها تاريخ طويل من العلاقات مع جماعات إرهابية عالمية، تُوّج باحتضانها لأسامة بن لادن وأيمن الظواهري في وقت من الأوقات، وبتورّطها في محاولة اغتيال الرئيس المصري حسني مبارك بالتعاون مع الجماعة الإسلامية المصرية، فضلًا عن ما قيل عن تقديمها تسهيلات لوجستية لتنظيم القاعدة، مكّنت من تنفيذ تفجيرات سفارتي الولايات المتحدة في نيروبي ودار السلام، واستهداف المدمرة الأميركية “يو إس إس كول” قبالة سواحل اليمن.
ويُضاف إلى ذلك، عملية اغتيال الدبلوماسي الأميركي جون غرانفيل في الخرطوم، وتهريب منفذي العملية من سجن كوبر لاحقًا.
كل ذلك يرشّح الحركة الإسلامية للعب دور في خطط الجماعات المتطرفة التي تسعى للاستثمار في حالة الفوضى الراهنة في السودان، خصوصًا مع تمدد أذرعها العسكرية في الحرب الحالية.
الإرهاب على الأبواب:
وكانت منصات ومواقع التواصل الاجتماعي قد نسبت إلى مجلة EURPORTER أنها نشرت تقريرًا ذكرت فيه أن “أبو حذيفة السوداني”، وهو مساعد سابق لأسامة بن لادن، قد أعاد تموضعه داخل السودان.
ووفقًا لما نُقل عن التقرير، فقد بعث أبو حذيفة رسائل جهادية إلى الشباب، أوضح فيها أن “الفرصة قد حانت” في السودان، مشيرًا إلى أن الفوضى العارمة تمثل ظرفًا مواتيًا لزرع بذور الجهاد في البلاد.
وأشار إلى ذلك في منشور وزّعه في شهر أكتوبر من عام 2022.
وأضافت المجلة أن التهديد الحقيقي يكمن في إمكانية حصول هذه الجماعات الإرهابية على أسلحة كيماوية، عبر دوائر قريبة منها داخل الجيش السوداني، وهو ما يفتح الباب لاحتمال استخدامها لهذه الأسلحة خارج حدود السودان.
وتختم المجلة وفق المصادر، بالإشارة إلى أن هذا التهديد المحتمل كان من بين الأسباب التي دفعت الولايات المتحدة إلى اتخاذ قرار بفرض عقوبات جديدة على السودان.
علي شفا الانزلاق:
علي أية حال، إذا كانت الحرب في السودان قد كشفت عن هشاشة الدولة، وانفراط عقد مؤسساتها، فإن ما يلوح في الأفق اليوم أكثر خطورة، وهو احتمال تحوّل البلاد إلى مرتع خصب للإرهاب.
فالدعوات إلى “سودنة” القتال، مع توافر بيئة فوضى أمنية وعسكرية، كلها مؤشرات خطيرة على أن السودان قد يكون على مشارف التحوّل إلى بؤرة جديدة للتطرف العالمي.
وما لم يتحرك الجميع بصورة عاجلة، لإيقاف هذا الانزلاق، فإن ما ينتظر السودان لن يكون مجرد حرب أهلية طويلة، بل ربما حرب ذات طابع ديني متطرف، تطال أمن الإقليم والعالم.
فالخطر لا يهدد السودان وحده، بل يهدد جواره ومحيطه والعالم بأسره.
السؤال الآن: هل آن أوان دق ناقوس الخطر… قبل أن يصبح السودان حقًا وطنًا بديلًا للإرهاب؟.