أخبارتقارير

تهريب المخدرات … “حرب موازية” في السودان

مشاوير - وكالات 

أنعشت الحرب وما أفرزته من تداعيات واقعاً مخيفاً وتحديات متزايدة تنتظر السودان، إذ دفع حال الفوضى والسيولة الأمنية التي رافقتها إلى تفش واسع لظاهرة تهريب وتجارة المخدرات بصورة تشكل مهدداً أمنياً واجتماعياً واقتصادياً كبيراً ينذر بتوسيع ظاهرة التعاطي والإدمان وسط الشباب من الجنسين مستقبلاً.

تتجلى خطورة الظاهرة في الضبطيات الكبيرة على أيدي الأجهزة الأمنية المختلفة شملت أطناناً من مختلف أنواع المخدرات المهربة ومصانع تنتج ملايين الحبوب المخدرة تهدد بإغراق البلاد في كم هائل من مختلف أنواع المخدرات، خلال الأعوام المقبلة، فضلاً عن إسهام تجارة المخدرات في تمويل النزاع وتطويل أمده وتعميق أزمات البلاد، في ظل الحرب المستمرة التي تعصف بها وتضع مستقبل الأجيال القادمة على المحك.

 

موانئ الجوار

إثر تشديد الرقابة الأمنية على المنافذ الحدودية البرية والجوية والبحرية، بخاصة في البحر الأحمر اتجه المهربون، وتتهم قوات “الدعم السريع” أنها من بينهم، إلى تهريب المخدرات عبر الحدود المفتوحة الواسعة مع دول الجوار في جنوب السودان وتشاد، معتمدة بصورة كبيرة في إدخالها على بعض الموانئ على سواحل المحيط الهندي في تلك الدول.

داخلياً وعقب تحرير الخرطوم شنت السلطات الأمنية في الاستخبارات العسكرية وشرطة مكافحة المخدرات والتهريب حملات واسعة للمكافحة جرت خلالها عمليات دهم كبيرة لأوكار الإنتاج والتخزين وشبكات التوزيع والنقل وقامت بحملات تفتيشية دقيقة داخل العاصمة ضبطت خلالها مصانع لإنتاج المخدرات.

 

أحدث المضبوطات

في إطار جهود المكافحة والحماية من خطر المخدرات، تمكنت إدارة مكافحة المخدرات بولاية النيل الأبيض، أول من أمس الخميس، من ضبط 23 ألف حبة مخدرة (نيرفاكس) وهي من العقاقير التي يساء استخدامها، وذلك عقب عملية رصد دقيقة داخل مدينة كوستي أكبر مدن الولاية.

وأوضح والي ولاية النيل الأبيض، اللواء قمر الدين فضل المولى، أن انتشار المخدرات يمثل حرباً من نوع آخر، ينبغي التصدي لها بكل حسم، مؤكداً دعمه الكامل لجهود مكافحتها.

كذلك شددت إدارة شرطة مكافحة المخدرات بالولاية على استمرار الحرب على المهربين والشبكات الإجرامية حتى تطهير كل الولاية من هذه الظاهرة الخطرة وتضييق الخناق على شبكات الاتجار بالمخدرات وتحجيم أنشطتهم الإجرامية، حماية للنسيج المجتمعي وسلامة الشباب.

 

كميات ضخمة

قبل أسبوعين أحبطت مكافحة التهريب بولاية البحر الأحمر عملية تهريب 486 كيلوغراماً من الحشيش، و105 كيلوغرامات من الكوكايين، و200 كيلوغرام من مخدر الآيس، إلى جانب ثلاث بنادق و24 طبنجة.

وشهد وزير الداخلية المكلف، الفريق خليل باشا سايرين، برفقة مدير عام قوات الجمارك، الفريق صلاح أحمد إبراهيم، ومساعدي المدير العام، تفاصيل الضبطية، مؤكداً أن مكافحة التهريب تسد الثغور في مواجهة حرب تستهدف السودان وسيادته عبر تهريب المخدرات والسلاح.

وأكد الوزير جاهزية أجهزة الدولة السودانية وقدرتها على القيام بواجباتها الوطنية على رغم التحديات الكبيرة، مشيداً بكفاءة القوات الأمنية وقيامها بدورها على أكمل وجه والتنسيق المحكم مع بقية الأجهزة المتخصصة، مما أدى إلى ضبط كميات ضخمة من المواد المهربة.

من جانبه قال الفريق شرطة صلاح أحمد إبراهيم إن هذه الضبطية تمثل امتداداً لسلسلة نجاحات متواصلة لقوات المكافحة في عدد من ولايات السودان، بينها القضارف وكسلا شرق البلاد ونهر النيل شمالاً.

 

الأكبر والأخطر

في فبراير الماضي تمكن جهاز الاستخبارات العامة، بالتعاون مع الجيش وهيئة أمن ولاية الخرطوم بالخرطوم بحري، من ضبط أكبر مصانع تصنيع حبوب الكبتاغون المخدرة، أُخفي داخل مبنى تحت التشييد يضم ثلاثة طوابق في المنطقة الصناعية الجديدة ببحري، قرب مصنع للدقيق بمنطقة الجيلي شمال العاصمة الخرطوم.

تصل قدرة الإنتاج إلى 100 ألف حبة في الساعة، مما يجعله أحد أخطر مصانع المخدرات المضبوطة، بحسب الإدارة المتخصصة بجهاز الاستخبارات العامة. كذلك ضُبطت كميات كبيرة من المواد الخام المستخدمة تكفي لإنتاج 700 مليون حبة كبتاغون، وتصل قيمة المواد المضبوطة إلى نحو 3 ملايين دولار، وفق جهاز الاستخبارات.

اتهمت الاستخبارات العامة “الدعم السريع” بملكية المصنع واستخدام المخدرات التي ينتجها في تحفيز عناصر الميليشيات في المعارك والسيطرة عليهم، إلى جانب ترويجها وسط المواطنين بغرض تمويل أنشطتها وتهريب الفائض إلى خارج البلاد وبخاصة لدول الجوار.

 

توالي التهريب

في منتصف أبريل الماضي نفذت قوات مكافحة التهريب بولاية البحر الأحمر عملية نوعية أمنية، أحبطت بها محاولة تهريب كميات كبيرة من المخدرات والأسلحة، وأوقفت اثنين من المتهمين، أحدهما مطلوب دولياً، ووصفت وزارة الداخلية الحدث بأنه إنجاز كبير في ظل الظروف الاستثنائية التي تمر بها البلاد.

في نهاية ديسمبر (كانون الأول) 2024 تمكنت قوات إدارة مكافحة التهريب بولاية نهر النيل في عملية نوعية من ضبط كميات كبيرة من المواد المحظورة والخطرة.

 

سيولة وانهيار

في السياق يعزو الناشط الحقوقي عبدالرحيم زين العابدين، التفشي المخيف لظاهرة تهريب وتجارة المخدرات خلال العامين الماضيين إلى انهيار وتدهور معظم المؤسسات الحكومية بما فيها الأمنية والشرطية الذي رافق اندلاع الحرب، إلى جانب إطلاق سراح كل تجار المخدرات البارزين من السجون.

لفت زين العابدين إلى أن حال السيولة الأمنية الواسعة التي نشأت بغياب الشرطة على مستوى رئاستها ووزارة الداخلية بالخرطوم وانشغال الجيش والاستخبارات بالعمليات العسكرية المباشرة في بداية الحرب، تلاشت وشلت معها أدوات الضبط والرقابة في المؤسسات الأمنية والقضائية بخاصة في العاصمة الخرطوم، مما فتح الباب على مصراعيه أمام تهريب وتجارة المخدرات. وتابع “الفوضى التي ضربت معظم المفاصل الرسمية للدولة استُغلت من قبل العصابات المتخصصة الداخلية منها والعابرة للحدود التي تقف وراء النشاط الواسع لشبكات التهريب والاتجار المحلي للمخدرات، مشيراً إلى استفادة قوات “الدعم السريع” نفسها من فوضى الحرب في توسيع أنشطتها التجارية في إنتاج وتوزيع المخدرات، من خلال بعض مصانع إنتاج حبوب الكبتاغون المكتشفة في الخرطوم بحري التي تزعم السلطات ملكيتها لتلك القوات”.

 

شبكات أجنبية

لا يستبعد الناشط تورط شبكات أجنبية إقليمية ودولية بتواطؤ مع شبكات داخلية، في إدخال المخدرات إلى السودان، مستغلة الحدود المفتوحة والظروف الأمنية الهشة تدخل هذه الشبكات عبر دول مثل تشاد وليبيا، مما يجعل من السودان أهم نقطة للعبور ومقصداً لتجارة المخدرات. ويضيف “بما أن للسودان إرثاً مع حركات التمرد المسلحة فهي معروف عنها في كل أنحاء العالم الاعتماد بالدرجة الأولى في تمويل أنشطتها على الدعم الخارجي وتهريب وتصنيع وتجارة المخدرات، لذلك ظلت دائماً هي المتهم الأول في نشر المخدرات، وقد أضفى ذلك تطوراً جديداً هو الأخطر كون تجارة وتصنيع وتهريب المخدرات وعصاباته باتت تحت حماية قوة السلاح”.

 

تدمير شامل

الباحث والمتخصص في علم الاجتماع، سليمان عجب الدور، قال إن مما لا شك فيه أن المخدرات بكل أصنافها وأنواعها تدمر قطاع الشباب والمجتمع بأسره، ومن ثم زيادة معدلات الجريمة والعطالة والتفكك الأسري، إذ تشير الدراسات والتقارير إلى أن 90 في المئة من الجرائم المرتكبة في بعض المناطق لها علاقة بتعاطي المخدرات. وتابع “هناك آثار أخرى بخلاف الاجتماعية تتمثل في تدمير البيئة والاقتصاد معاً في مناطق عدة بالبلاد بخاصة في أقاليم كردفان والنيل الأزرق ودارفور، بتحويل الأراضي الزراعية إلى مزارع لزراعة مخدر (البانجو) المعروف محلياً بـ(البنقو)، مما تسبب في تدهور التربة والمياه ومن ثم البيئة”.

 

واقع خطر

وأشار إلى أن الواقع الخطر الماثل يضع على عاتق الدولة والمجتمع المدني مهمة جسيمة ترتبط بمستقبل البلاد، وعليها الاضطلاع بدور أكبر إلى جانب جهود مكافحة المخدرات، وعلى الدولة العمل على إشراك منظمات المجتمع المدني بجميع تخصصاتها من أطباء وجامعات ومدارس ورجال الدين في إدارة حملات توعوية كبيرة، مع الاستفادة من التعاون مع المنظمات الدولية والإقليمية في مجالات التدريب وبناء القدرات والدعم اللوجيستي والعلمي، لا سيما بعد ظروف الحرب التي أثرت في قدرات البلاد في المجالات كافة.

 

حملات متزامنة

وشدد الباحث سليمان عجب الدور على أهمية إطلاق حملات وطنية متزامنة في مجالات المكافحة والتوعية المجتمعية الروحية والصحية والجنائية بتعاون مع المجتمعين الإقليمي والدولي، لمجابهة التحديات المستقبلية في سياق خطط إعادة الإعمار التي يجب ألا تغفل عن التأثيرات الخفية والعميقة لتفشي تجارة وتهريب المخدرات التي جعلت كل أنواع وأصناف هذه الآفة متوافرة ومتاحة بصورة واسعة داخل المجتمع السوداني.

ومن أكثر أنواع المخدرات التي تُهرب وتُصنع ويُتجر فيها وتُتداول الهيروين والحشيش والقات وحبوب الكبتاغون والترامادول وما يعرف بحبوب (فايف)، كذلك ظهر الكوكايين ومشتقات المفتامين والآيس، المعروف أيضاً بـ”الشابو” أو “الكريستال” الذي أصبح الأكثر انتشاراً وسط الشباب ومتعدد الاستخدام عبر الشم أو الحقن وتفوق سرعة إدمانه الكوكايين.

 

صدارة القنب

يعتبر السودان من أكبر الدول المنتجة للقنب الهندي المعروف في شكله المحلي بـ(البنقو)، الذي تستخرج منه مواد مثل الحشيش والماريغوانا، وهو يزرع في بعض مناطق دارفور وكردفان والنيل الأزرق، لكن محمية الردوم بجنوب غربي دارفور تعتبر الأكثر شهرة وكثافة في زراعته بمساحات قدرت بنحو 13 ألف كيلومتر مربع، وعلى رغم حملات المكافحة المستمرة للقضاء عليها، فإن طبيعة المنطقة شكلت تحدياً كبيراً أمام تلك الجهود.

يذكر أن أول لجنة وطنية لمكافحة المخدرات في السودان أُنشئت في 1960 ولا تزال تعمل حتى الآن تحت مسمى اللجنة القومية للغرض ذاته بموجب المادة (4) من قانون مكافحة المخدرات والمؤثرات العقلية السوداني لعام 1994.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى