مقالات

كما تُدين تُدان… قانون الحياة العادل

رؤى تاج السر (*)

في زحمة الحياة وتقلّباتها، نحتاج إلى بوصلات روحية وأخلاقية تُرشدنا، وتعيدنا لأنفسنا.

ومن أصدق القوانين التي اختبرها البشر على مرّ الزمن، قانون بسيط لكنه بالغ التأثير:

“كما تُدين تُدان”.

وهو ليس مجرّد قول مأثور، بل هو قاعدة كونية، مبدأ إلهي، وسنة من سنن الحياة التي لا تحيد.

هذا القانون يعني ببساطة أن ما تقدّمه في الحياة – من فعل، أو قول، أو شعور – سيعود إليك يومًا ما، بنفس الشكل أو في صورة أخرى مشابهة.

هو ليس عقابًا، بل انعكاس… هو عدالة خفية تدور في الفضاء وتختار لحظة مناسبة للعودة.

فحين تعطي خيرًا، حين تتسامح، حين تتعامل بلين، حين تواسي، حين تفرّج كربة…

فإنك في الحقيقة لا تفعل ذلك فقط للآخرين، بل أنت تزرع لنفسك في أرض الحياة، وستحصد يومًا ما، وربما في وقت تكون فيه بأشدّ الحاجة إلى هذا الخير.

وعلى الجانب الآخر، حين تُؤذي، أو تتعدى، أو تتكبّر، أو تظلم… فاعلم أن الحياة لن تنسى.

لأن القانون لا يميز بين غني أو فقير، قوي أو ضعيف… هو يسري على الجميع.

لماذا نحتاج هذا القانون في حياتنا؟

لأننا بشر… نخطئ، ننسى، نغضب، وقد نقسو.

فنحتاج إلى شيء يوقظنا، يذكّرنا، يهذب سلوكنا ويحمينا من أنفسنا قبل أن نؤذي غيرنا.

هذا القانون بمثابة المرآة الأخلاقية التي تجعلنا نُفكر مرتين قبل أن نرمي بكلمة، أو نحكم على أحد، أو نردّ على إساءة.

هو دعوة دائمة للنية الطيبة، للفعل الواعي، للكرم الذي لا ينتظر مقابل، للإحسان الذي لا يُقابل بالإحسان مباشرة، بل بالإطمئنان بأن الخير لا يضيع.

كيف نُفعّل هذا القانون بوعي؟

عامل الناس كما تحب أن تُعامل.

قبل أن ترفع صوتك على أحد، اسأل نفسك: هل أحب أن يُحدّثني أحد بهذه الطريقة؟

كن عادلًا، حتى في التفاصيل الصغيرة.

لا تظلم في العمل، لا تتحامل على من يخطئ، لا تبخس أحدًا حقه، حتى لو كان لا يستطيع أن يطالب به.

انفق نية طيبة، وكلمة طيبة، وابتسامة، ومعونة.

لأن ما تُنفقه يعود إليك… لا محالة.

سامح، لا لأن الآخر يستحق، بل لأنك أنت تستحق السلام.

التسامح لا يبرئ الآخر دائمًا، لكنه يُخفف الحمل عن ظهرك.

 

التهذيب المستمر للنفس

الجميل في هذا القانون أنه يجعلنا في حالة مراقبة داخلية مستمرة.

نراقب أفكارنا، مشاعرنا، تصرفاتنا… ليس بدافع الخوف، بل بدافع النضج.

لأننا نعي أن ما نُخرجه من داخلنا، هو ما يعود إلينا، عاجلًا أم آجلًا.

قد لا نرى النتيجة فورًا، لكننا نُدرك أن كل شيء محفوظ في ذاكرة الحياة.

وأن الحياة، مهما بدت قاسية أو غير عادلة، تعيد التوازن بشكل مدهش.

في الختام…

في عالم تسوده السرعة والتنافس والظلم أحيانًا، يبقى قانون “كما تُدين تُدان” هو أحد الضمانات الروحية والأخلاقية التي تمنحنا الطمأنينة، أنه لا شيء يضيع، لا خير ولا شر.

فازرع خيرًا… وامضِ.

تكلم بلطف… واهدأ.

انفق من نفسك الأجمل… لترتد إليك الأيام في أجمل صورها.

 

مذيعة وإعلامية سودانية (*)

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى