
في خضم الحياة اليومية وضغوطها المتراكمة، كثيرًا ما نجد أنفسنا غارقين في بحر من التفكير والقلق والتعب النفسي. لحظات التيه تلك التي تشعرنا بأن العالم قد ضاق بنا، وأن كل شيء حولنا يمضي ونحن واقفون في مكاننا. في هذه اللحظات، لا شيء يهون علينا أكثر من وجود رفيق صادق. رفيق يمكن أن يكون صديقًا مقرّبًا، أخًا أو أختًا، زوجًا أو زوجة، معلمًا، أو مرشدًا روحيًا. هو ذلك الشخص الذي نشعر معه بالأمان، نبوح له بلا خوف من الحكم أو النقد، ونجد في صمته حضورًا يزيل عنا ثقل الدنيا.
مهما وصلنا من علم أو معرفة أو حتى حكمة، فإننا جميعًا في حاجة إلى هذا النوع من العلاقات الإنسانية التي تُشعرنا بأننا لسنا وحدنا في هذه الرحلة. هناك شيء في أن تكون مجردًا، بسيطًا، صادقًا مع شخص آخر، يسمح لك بأن تفتح قلبك بلا أقنعة أو جدران، يجعل الحواجز تتلاشى، ويمنحك مساحة لتتنفس بحرية. أحيانًا لا نحتاج إلى حلول، بل إلى الاستماع فقط، إلى أن يكون هناك من يسمعنا بصدق ويشاركنا حضورنا في اللحظة دون تعقيد أو شروط.
ما يجعل الحياة أكثر جمالًا هو أن تكون الإنسانية والرحمة أساس تعاملنا مع بعضنا البعض. الرحمة التي تبدأ بأن نكون لطفاء مع أنفسنا أولًا. كثيرًا ما ننسى أننا أول من يجب أن نكون رفيقًا رحيمًا لأنفسنا، نعتذر لها عن أوقات الإهمال، نمنحها السماح عندما نخطئ، ونُشعرها بأنها تستحق الحب والاهتمام كما هي، بكل نقاط ضعفها وقوتها. النفس هي الرفيق الأول والأكثر ثباتًا، وهي التي تتحمل أعباء التفكير، الضغط، والحزن أحيانًا.
إن الاعتناء بالنفس والرحمة تجاهها ليست مجرد رفاهية، بل هي ضرورة، لأنها تبني فينا القوة التي تمكننا من الوقوف أمام تحديات الحياة ومساندة الآخرين برفق وحب حقيقي. وعندما نكون أصدقاء لأنفسنا، نصبح قادرين على أن نكون أصدقاء أفضل لمن حولنا، نشاركهم فرحهم وأحزانهم، وندعمهم في رحلاتهم الخاصة.
في عالم مليء بالضوضاء والسرعة، من السهل أن ننشغل بالمظاهر والمقارنات، وننسى أهمية العلاقات الحقيقية التي تمنحنا طمأنينة القلب. وجود رفيق في لحظات الضعف يجعلنا نشعر بأننا مفهومون، وأننا لسنا وحدنا في مواجهة تقلبات الحياة. هو ذلك الدعم الذي لا يُقدّر بثمن، ذلك الصوت الذي يهمس في أذنك: “أنا هنا، معك، لن تمشي وحدك.”
في النهاية، ليس من العيب أن نعترف بضعفنا، وأن نبحث عن من يساندنا. بل هو من شجاعة الإنسان وعظمته أن يعترف بأنه بحاجة لمن يسمعه ويدعمه. فوجود رفيق حقيقي في حياتنا هو من أجمل النعم التي قد نمتلكها، وهي التي تضيء دروبنا في أصعب الأوقات، وتجعل لحظات التيه والتعب أقلّ ثقلاً.
مذيعة وإعلامية سودانية (*)