
تعدَّدت إسهامات الزعماء الأفارقة في عهد نضالات حركات التحرُّر الوطني ودولة ما بعد الاستقلال مباشرة لتنظير “الثورة” في القارة الإفريقية؛ واتسق تقسيم هذه الإسهامات بشكل واضح مع أفكار “نظرية الرجل العظيم” كما بلورها المؤرخ الأسكتلندي توماس كارليل T.Carlyle (ت. 1881م)، لا سيما في محاضرته حول “الأبطال وتقديس البطل والبطولة في التاريخ” (5 مايو 1840م) التي استهلها بإعجاب مفرط بدور الرجال العظام في التاريخ بوصفهم “نورًا يضيء ظلام العالم، كهبة من السماء”، والتي تُعلي من دور الفرد في صياغة التاريخ (أو صُنْعه بالأحرى).
وتثير هذه الفرضية إشكالات مُلِحَّة عند تناول أدوار القادة والزعماء الأفارقة في عملية تاريخية مُعقَّدة أدَّت إلى ما عُرِفَ بمرحلة الاستقلال الإفريقي حوالي منتصف القرن الماضي. ومن أبرز هذه الإشكالات: مدى تعبير القائد أو الزعيم عن البيئة التي نشأ فيها بالفعل؟ وما حدود “الاستثنائية” في الشخصية المقصودة؟ وما الضوابط التي يجب اتباعها لتقييم موضوعي للأخيرة، سواء بوضع خياراتها في سياقها التاريخي، أم بتقييم ما ترتب على هذه الخيارات لاحقًا بالفعل؟ وغيرها من الإشكالات التي تهدف في النهاية إلى الإجابة عن سؤال رئيس: هل الفرد هو مَن يَصْنع تاريخًا ما بفضل سمات تخصّه دون غيره؟
ويمكن إثارة هذا السؤال إفريقيًّا في مثال رؤية الزعيم المصري جمال عبد الناصر لإفريقيا في سياق نصّه الأبرز “فلسفة الثورة” (1954م)؛ وعرض الرؤى المتضاربة حول ما خطَّه ناصر وتحوُّلاته نتيجة أحداث وتحولات سياسية معاصرة (تجلت تناقضاتها بعد سنوات من وقوعها بطبيعة الحال)؛ مما قد يجيب عن قَدْر من التساؤلات السابقة.
يُمثّل الإنتاج الفكري لأغلب القادة الأفارقة مادة خصبة للتحليل والاستقراء التاريخيين؛ وفي حالة صلة جمال عبد الناصر (1918- 1970م) بالقارة الإفريقية؛ فإنّ مؤلّفه المُوجَز الذي جاء بعنوان “فلسفة الثورة” يُقدّم إطارًا عامًّا لهذه الصلة، -سلبًا وإيجابًا بطبيعة الحال- عند وَضْعه قَيْد التحليل والنقد.
ويمكن القول: إن مُؤلَّف عبد الناصر، -الذي يختزل فيه البعض دون اكتراث يُذْكَر موضع إفريقيا ورؤيتها في سياسات القاهرة التحررية-، يمثل تنظيرًا أوليًّا وغير مكتمل؛ فقد خطّ عبد الناصر فكرة دوائر حركة مصر الخارجية الثلاث بقَدْر من المنطقية؛ حيث مثَّلت إفريقيا الدائرة الثانية (بعد الدائرة العربية، وقبل الدائرة الإسلامية)، استنادًا إلى موقع مصر الجغرافي في قلبها، ومبشرًا بتمازج كلي -غير ممكن واقعيًّا بالمرة- بين مصالحها كما اتضح في محطات فاصلة لاحقًا، غير أنه لمَّح بدقة إلى مساعي الاستعمار إلى “إعادة (رسم) خريطتها، و(أنه) لن نستطيع بحال من الأحوال أن نقف أمام الذي يجري في إفريقيا ونتصور أنه لا يمسنا ولا يعنينا”.
ووردت الإشارات إلى إفريقيا في الفصل الثالث الذي كرَّسه عبد الناصر للحديث عن “المكان” في فلسفة الثورة بعد فصلين عن “الزمان”، موضحًا أنه إذا كان الزمان يفرض تطوُّره فإن المكان يفرض حقيقته، لا سيما بعد مضي “عهد العزلة” بين الدول.
ورأى عبد الناصر ضرورة النظر في المكان الذي يجب أن تقوم فيه مصر بدور، ليخرج بـ”مجموعة من الدوائر”؛ أولها الدائرة العربية، ثم الدائرة الإفريقية التي تساءل بشأنها: “أيمكن أن نتجاهل أن هناك قارة إفريقية، شاء لنا القدَر أن نكون فيها، وشاء أيضًا أن يكون فيها اليوم (1956م) صراع مرير حول مستقبلها، وهو صراع سوف تكون آثاره لنا أو علينا، سواء أردنا أم لم نُرِد؟”.
قبل أن يستطرد: “وليس عبثًا أن بلدنا يقع في شمال شرق إفريقيا، ويُطِلّ من علٍ على القارة السوداء التي يدور فيها اليوم أعنف صراع بين مستعمريها البيض وأهلها السود من أجل مواردها التي لا تُحَدّ”.
ويلفت عبد الناصر إلى أن “دورًا هائمًا على وجهه يبحث عن البطل الذي يقوم به… قد استقر به المطاف متعبًا منهوك القوى على حدود بلادنا، يشير إلينا أن نتحرك، وأن ننهض بالدور ونرتدي ملابسه، فإن أحدًا غيرنا لا يستطيع القيام به”، ويستدرك بدقة لافتًا إلى مقصده بذلك فيقول: “وأبادر فأقول: إن الدور ليس دور زعامة إنما هو دور تفاعل وتجارب مع كل هذه العوامل يكون من شأنه تفجير الطاقة الهائلة الكامنة في كل اتجاه من الاتجاهات المحيطة بها، ويكون من شأنه تجربة خلق قوة كبيرة في هذه المنطقة ترفع من شأن نفسها، وتقوم بدور إيجابي في بناء مستقبل البشر”.
وبعد إسهاب نسبي في تناول “الدائرة الأولى” (العربية) يُقرّر عبد الناصر “فإذا اتجهت بعد ذلك إلى الدائرة الثانية، وهي دائرة القارة الإفريقية، قلت دون استفاضة ودون إسهاب: إننا لن نستطيع بحال من الأحوال -حتى لو أردنا- أن نقف بمعزل عن الصراع الدامي الذي يدور اليوم في أعماق إفريقيا بين خمسة ملايين من البيض ومئتي مليون من الإفريقيين. لا نستطيع لسببٍ مُهِمّ وبدهي؛ وهو أننا في إفريقيا. ولسوف تظل شعوب القارة تتطلع إلينا، نحن الذين نحرس الباب الشمالي للقارة، والذين نُعتبر صلتها بالعالم الخارجي كلها. ولن نستطيع بحالٍ من الأحوال أن نتخلّى عن مسؤوليتنا في المعاونة بكل ما نستطيع على نشر الوعي والحضارة حتى أعماق الغابة العذراء”.
وأضاف: “ويبقى بعد ذلك سبب هام، هو أن النيل شريان الحياة لوطننا يستمدّ ماءَه من قلب القارة. ويبقى أيضًا أن السودان -الشقيق الحبيب- تمتد حدوده إلى أعماق إفريقيا، ويرتبط بصلات الجوار مع المناطق الحساسة في وسطها. والمؤكد أن إفريقيا الآن مسرح لفوران عجيب مثير، وأن الرجل الأبيض الذي يمثل عدة دول أوروبية يحاول الآن إعادة تقسيم خريطتها، ولن نستطيع بحالٍ من الأحوال أن نقف أمام الذي يجري في إفريقيا ونتصور أنه لا يمسنا ولا يعنينا”.
ويختتم عبد الناصر تناوله المقتضب للدائرة الثانية بقوله: “ولسوف أحلم باليوم الذي أجد فيه في القاهرة معهدًا ضخمًا لإفريقيا، يسعى لكشف نواحي القارة أمام عيوننا، ويخلق في عقولنا وعيًا إفريقيًّا مستنيرًا، ويشارك مع كل العاملين من كل أنحاء الأرض على تقدم شعوب القارة ورفاهيتها”.
قراءة في رسائل فلسفة الثورة
تظل ثمة ملاحظة مهمة، وفي سياق نقد “فلسفة الثورة” موضوعيًّا وتاريخيًّا، وهي مُثُول معضلة “الدائرة الثانية”، حال مقارنتها بالسياسات الفعلية، عند تصوُّر وجود أولويات “ثابتة” للحركة المصرية بعد ثورة يوليو، وعدم النظر إلى أفكار “فلسفة الثورة” على أنها (مجرد؟) “خواطر” (بحسب تعبير عبد الناصر)، وكذا تجاهل مقدرات الحركة المصرية نفسها ومدى “استقلاليتها” أو قدرتها على مناورة أدوار القوى الدولية “الجديدة والقديمة”، على الأقل حتى منتصف الستينيات.
ومن الأمثلة على ذلك؛ تقاطع الدائرتين الإفريقية والإسلامية في فلسفة الثورة بشكلٍ وجيز في واقع الأمر في المرحلة المبكرة، عندما بادرت مصر -في الفترة بين المبكرة من الثورة- بتكوين جبهة أيديولوجية “يمكنها خدمة مفاهيمها السياسية” بحسب قراءة كتيب عبد الناصر.
وعُقد المؤتمر العربي الإسلامي الأول لمنظمة التحرير في القاهرة في 19 أغسطس 1953م، بحضور بضعة آلاف مسلم مقيمين في القاهرة، ومثلوا -في المؤتمر- دولًا إسلامية مختلفة في إفريقيا وآسيا ناقشوا “سبل تحرير العالم الإسلامي من الإمبريالية”، وأكد عبد الناصر خلال المؤتمر أن العالمين العربي والإسلامي يواجهان اليوم “عدوًّا واحدًا ويتعاونان ضد مرض واحد -والعدو هو الإمبريالية والمرض هو التفكك والتخلي عن القتال في سبيل الله”.
كما حاولت مصر “توظيف” المؤتمر الإسلامي الشرق إفريقي الأول المنعقد في العاصمة الكينية نيروبي في ديسمبر 1953م لتحقيق هذا الهدف؛ وذكرت الصحف المصرية أن هدف المؤتمر “مناقشة تكوين قوة إسلامية ثالثة في شرق إفريقيا”.
وبالَغ وزير الإرشاد وقتها صلاح سالم في ذكر هذا التوجه في خطابه الذي وجَّهه إلى المؤتمر وتمت تلاوته في الجلسة الافتتاحية، مؤكدًا أن “مصر تَعِدُ بمَدّ يدها لكل دولة شقيقة وشعب صديق من أجل الحرية والتحرر، ومن أجل السلام العالمي ولصالح جميع البشرية”.
وفي مقابل هذا التعميم في رؤية “فلسفة الثورة” لإفريقيا وقضاياها؛ ظل كتاب “فلسفة الثورة” محل سجالات محلية ودولية؛ ووصفه روبرت ماكنمارا، وزير الدفاع الأمريكي الأسبق (1961-1968م)، بأنه كُتِبَ بأسلوب “مدهش” تتميز به اللغة العربية، ويتسق مع تأكيده (الكتاب) وقوع مصر في مركز الدوائر الثلاث من التأثير، وكان النص بالتأكيد، بحسب ماكنمارا، بيانًا طموحًا لأهداف السياسة الخارجية المصرية. على أيّ حال فقد بدت شواهد كون “الكتيب” مخططًا للهيمنة الإقليمية على نمط كتاب “كفاحي” ضعيفة جدًّا.
كما حدد الكتاب رؤية عبد الناصر لمصر كبلد تبحث عن بطل، ودور بات هو يلعبه، ربما في استعادة لفكرة “الرجال العظام” مصريًّا وإفريقيًّا. بينما رأى معارضون لسياسات عبد الناصر إجمالًا وأفكاره التحررية أن “فلسفة الثورة” قد كشف عن “رجل ذي تناقضات جلية، أصابته لوثة شهرة مستجدة”.
وتساءل على سبيل المثال المؤرخ لافرنسي جان لاكوتور Jean Lacouture، المراقب البارز للثورة المصرية حينذاك، بقوله: “هل يمكن أن يكون نفس الرجل المخضرم في السياسة هو مَن نشَر لتوّه هذا النص المراهق؟!”.
أما رالف ستيفنسون، السفير البريطاني في القاهرة (1953- 1955م)؛ فقد رأى أن الكتيب كشف عن رجل أفعال لديه مشكلة في صياغة الأساس الفلسفي لتحركاته، الأمر الذي عدَّه مؤرخون انعكاسًا لتناقض رؤية السفير لعبد الناصر، والذي سبق أن أرسل برقية ورد بها أن “قصور عبد الناصر وتحامله يشبه طبقته وعمره وبلده”، كما عبَّر عن رأيه في عبد الناصر بأنه عكَس إلى حدٍّ ما اتساع رؤية وإنسانية ومثالية.
ويبدو أن هذه المواقف المعاصرة لنشر فلسفة الثورة كانت تُعبِّر عن تخوُّفات سياسية أكثر من كونها تحليلات دقيقة لمضامينه ونقدها.
وفي تمثُّل تامّ مع فكرة كارليل، يرى مؤرخون غربيون أن عبد الناصر يظهر في فلسفة الثورة، بوَعْي أو بدونه، كزعيم بالغ الطموح يقوم بتأدية رسالة. ويمتلئ النص بتصوُّر ناصر لنفسه على أنه وُلِدَ زعيمًا، وعليه أن يترك أثره في التاريخ. مع ملاحظة أنه رغم دوائر فلسفة الثورة الثلاثة؛ فإن تركيز عبد الناصر الأكبر كان على الدائرة العربية وليس الإفريقية أو الإسلامية.
بين فلسفة الثورة والثورة المصرية
إذا كان نص “فلسفة الثورة” دالًّا على تطور الرؤية المصرية لإفريقيا، فإنه ثمة نص آخر نُشِرَ في نفس توقيت صدور “فلسفة الثورة” تقريبًا، وهو مقال مهمّ، كُتِبَ بلغة إنجليزية رصينة (تشير إلى كتابته مباشرة بهذه اللغة وليس ترجمة عن العربية)، للرئيس جمال عبد الناصر بعنوان “الثورة المصرية” نشرته دورية “فورين أفيرز” في يناير 1955م؛ استعرض في قسمه الأول الظروف التي قادت إلى قيام الثورة في مصر “التي قادها الجيش ودعمها الشعب”، بعد أن كان الجيش أداة في أيدي الحكام الفاسدين ضد “الحركات الوطنية” حتى انضم إلى صفوف الشعب لقيادة حركة التحرر الوطني، وخصص القسم الثاني لهذه التفاعلات التي قادها الجيش، وتناول القسم الثالث سياسة “النظام الجديد في مصر”، وأبرزها مشروعه الرئيس “السد العالي” الذي يستهدف استصلاح 2 مليون فدان تقريبًا، يُضاف إلى المساحة الزراعية الإجمالية في مصر (6 ملايين فدان وقتها).
ومن ضمن ما ذكره عبد الناصر “خطة ثانية لاستصلاح نحو 50 ألف فدان في جنوب غرب شبه جزيرة سيناء لصالح اللاجئين الفلسطينيين”، وأن يتم نقل المياه عبر قنوات تمر أسفل قناة السويس لري هذه المنطقة” على أن تُموِّل الأمم المتحدة هذا المشروع.
واستعرض القسم الرابع من المقال سياسة نظام يوليو لإعادة بناء اقتصاد مصر “على أسس راسخة” من أجل رفع مستوى معيشة المواطنين.
واختتم المقال بالقسم الخامس، والأكثر ارتباطًا بتناولنا الحالي، بعلاقات مصر الخارجية استهله بالتأكيد على أنه بالرغم من جميع تقارير أعداء العالم العربي، فإن جامعة الدول العربية حقيقة.
وحضر الشأن الإفريقي في ختام المقال على النحو التالي: “هناك في أنحاء أخرى حديث عن “التوغل الشيوعي” في صفوف العديد من الحركات الوطنية العربية والإفريقية. ولن يكون من الحكمة أن تتخذ الولايات المتحدة هذه الرؤية للأنشطة الوطنية، التي يقودها وطنيون مخلصون لا يرغبون إلا في رؤية شعوبهم متحررة من الهيمنة الأجنبية. إن الأمريكيين يقرون بأن ذلك حق ثابت لكل إنسان، لذا فإنه ثمة قصور في دعم هؤلاء الوطنيين بسبب الخوف من إثارة قلق بعض القوى الاستعمارية التي رفضت التحرك مع الزمن. إن هذا التلكؤ يمنح الشيوعيين الفرصة للاستحواذ على ما يبدو في الغالب كحركات وطنية أصيلة كما في حالة الهند الصينية Indo-China.
لن يكون ثمة أيّ توغل شيوعي في أيّ جزء من الشرق الأوسط وإفريقيا إن كان بمقدور الولايات المتحدة تطوير سياسة شجاعة، -وهي السياسة الوحيدة السليمة أخلاقيًّا-، لدعم مَن يتوقون إلى التحرر من الهيمنة والاستغلال الخارجي. إن الاستقلال الحقيقي سيكون أعظم دفاع ضد الشيوعية -أو أي نوع آخر من التغلغل أو العدوان. إن الأحرار هم المدافعون الأكثر تعصبًا لحريتهم، كما أنهم لن ينسوا على الإطلاق مَن أيدوا نضالهم من أجل الاستقلال”.
ويتضح من نص “الثورة المصرية” عدم اتضاح موقف عبد الناصر حينذاك من السياسات الأمريكية تجاه العالم الثالث، رغم ما قد يُساق من تبريرات بالكياسة السياسية كون المقال منشورًا في واحدة من أبرز الدوريات الأمريكية، وفي توقيت لم تتوتر فيه العلاقات بين القاهرة وواشنطن بشكل واضح، بينما كانت الأولى تعمل بجدية على الانعتاق التام من بقايا الاستعمار البريطاني (لا سيما في منطقة قناة السويس داخل مصر).
والأمر المهم هنا هو رهان عبد الناصر، كزعيم في سياق تحليلنا لشخصية “الرجل العظيم”، على اصطفاف القوى الإفريقية خلف الولايات المتحدة في مواجهة “المد الشيوعي”، وتوسم لعب واشنطن دورًا قياديًّا في تطور القارة الإفريقية ونكوصها عن سياسات أبرز قوتين استعماريتين: بريطانيا وفرنسا، وهو رهان اتضحت ملامح عدم جدواه في ملفات إفريقية عدة لاحقًا (مثل الكونغو والجزائر)، إضافة إلى تعبير المقال عن قناعة عبد الناصر بأن الاستقلال الوطني الحقيقي سيكون السلاح الحقيقي في مواجهة المد الشيوعي، وهي قناعة تراجَع عنها عمليًّا في السنوات اللاحقة بدعم مصر طائفة واسعة من حركات التحرر الوطني الإفريقي التي تبنت -سواء بشكل مباشر أو غير مباشر- توجهات شيوعية سواء في مواجهة المستعمر أو في مشروعات ما بعد الاستقلال الوطني.
خلاصة
يثير الجدل هنا حول موقع عبد الناصر وإفريقيا من زاوية طرح “فلسفة الثورة” (1954م) نقاشًا حول مدى نجاعة نقد فكرة “الرجل العظيم” عند تناول تاريخ القارة الإفريقية وإسهام قادة تحررها واستقلالها في سياق نقدي تاريخي متحرّر قدر الإمكان من هذه الفكرة؛ مما قد يثمر في النهاية تقديرًا أكبر للعوامل الاجتماعية الأكبر، وتقديم نقد مهم لأدوار القادة ونجاحاتهم وإخفاقاتهم، ودروس هذه الأدوار على نحو يفيد فهم الحاضر الإفريقي، عوضًا عن المستقبل في قارة يمثل 60% من سكانها من هم دون 25 عامًا.