
على رغم مضى “26” شهراً من اندلاع الحرب، لا تزال معاناة السودانيين العالقين داخل العاصمة في مدنها الثلاث بحري وأم درمان والخرطوم والسكان الموجودين في مناطق النزاع المسلح والنازحين في مراكز الإيواء يعيشون أوضاعاً إنسانية معقدة وعصيبة نتيجة الأزمة المستفحلة في الغذاء بسبب توقف توزيع الوجبات المجانية ونفاد المدخرات المالية، وبات شبح الموت جوعاً يطارد الآلاف، خصوصاً الأطفال والمسنين.
وأدي انقطاع الدعم والهبات والتمويل وارتفاع معدلات التضخم في توقف “80” في المئة من المطابخ والتكايا الخيرية في مختلف مناطق البلاد، بينما تترنح أخريات للأسباب ذاتها، ويهدد توقفها بمضاعفة معاناة آلاف الأسر التي تعتمد على تأمين الغذاء من المطابخ الجماعية بعدما دمر الصراع المسلح الأنشطة الاقتصادية وسبل العيش في عديد المدن والمناطق.
تهديد المجاعة
في غضون ذلك، أعلن مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية في السودان “أوتشا”، عن توقف 70 في المئة من أصل 1400 مطبخ جماعي في ولاية الخرطوم بسبب نقص التمويل.
وأشار إلى أن غرف الطوارئ تعمل على تقديم الطعام والرعاية الصحية الأساسية وأشكال أخرى للدعم في عدد من المناطق بالسودان، بالتالي يتعرض مئات الآلاف لخطر متزايد حال توقف عمل هذه الغرف.
وأوضح مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية أن “هناك شركاء آخرين قدموا مساعدات تغذية شاملة في حالات الطوارئ إلى “89” ألف فرد في محليتي كرري وأم بدة بأم درمان، وأحياء أخرى في الخرطوم بحري.
وتحتاج غرف الطوارئ إلى “12” مليون دولار شهرياً لاستمرار عمل المطابخ الجماعية وتقديم الخدمات إلى السودانيين.
ظروف صعبة
يقول هاشم الطيب الذي يسكن في منطقة الكلاكلة بالخرطوم في حديثه لمنصة (مشاوير) : إنهم يواجهون ظروفاً إنسانية في غاية الصعوبة منذ توقف تكايا الوجبات المجانية في أحياء جنوب العاصمة، ويتناولون وجبة واحدة في اليوم هي “البليلة”، عبارة عن حبوب وبقوليات مسلوقة.
وأوضح أن “وصول عدد كبير من العائدين إلى الخرطوم هذه الأيام أسهم في تفاقم أزمة الغذاء، وتعذر تسجيل المواطنين الآتين من مناطق النزوح بسبب نقص التمويل الذي لا يحتمل أكثر من العدد المسجل، في وقت بات فيه السواد الأعظم من الناس يعتمدون كلياً على التكايا في الحصول على الطعام.
وأوضح الطيب أن “موقع التكية في منطقة باتت آمنة بعد تحرير الجيش للعاصمة جعلتها جاذبة لأعداد كبيرة من سكان جنوب الخرطوم، مما شكل بدوره أحد عوامل وأسباب الضغط المتزايد على التكية.
معاناة ووفيات
بدوره وصف ناجي محمد علي المتطوع في مطبخ محلية بحري في حديثه لمنصة (مشاوير) “الوضع الإنساني بـ”الكارثي” نظراً إلى توقف المطابخ الخيرية في مدن العاصمة كافة بسبب انقطاع الدعم والتمويل، مما يهدد مئات الآلاف من المدنيين المحاصرين في أتون الحرب، ومعظمهم من الأطفال والنساء وكبار السن بالجوع المدقع الذي أدى إلى وفيات عدة وسط المواطنين في أماكن عدة بالبلاد في الفترة الماضية.
وأشار علي إلى “عجز العاملين في المطابخ الخيرية عن تقديم الخدمات اليومية، وهو ما يهدد بأزمة غذائية ستفاقم من أوضاع آلاف المواطنين.
ولفت المتطوع في خدمات الأطعمة المجانية إلى أن “عدد الأسر التي تحتاج إلى تقديم خدمات الطعام المجانية تزايد بصورة ملحوظة نتيجة عودة أعداد كبيرة من النازحين إلى العاصمة، ونحن في الحقيقة أمام واقع معقد للغاية.
أزمات تواجه العائدين
من جهته، يقول المواطن فاروق حسين العائد إلى منطقة الصالحة لمنصة (مشاوير) “إنه وأسرته وصلوا إلى منزلهم في أم درمان وسط ظروف إنسانية صعبة، وهم لا يملكون شيئاً ويحتاجون إلى الطعام ومياه الشرب الصالحة، ومع تضاعف الأعداد الكبيرة الوافدة لم يعد بإمكان المتطوعين في المنطقة تقديم وجبة كاملة للمحتاجين.
وأشار إلى أن “كثيراً من سكان المنطقة ظلوا يعتمدون في الفترة الأخيرة على مبادرات الطعام التي تنتظم الأحياء، وأسهم توقف عملها في تردي الوضع المعيشي لمستويات غير مسبوقة، وفي حال استمرار المعاناة سيموت الناس جوعاً.
ومضى في حديثه “نحن نصبح ونمسي تحت هذه الضغوط المتواصلة، وغالب الأيام نتناول وجبة واحدة، وأحياناً كثيرة لا نجدها، ونخشى على الأطفال وكبار السن من تفشي أمراض سوء التغذية.
أزمة تمويل التكايا
شكا عدد من المتطوعين في غرف الطوارئ بشرق النيل بالخرطوم بحري من أن انقطاع الدعم والهبات والتمويل للتكايا والمطابخ كان العقبة الأساسية التي حالت دون استمرارها وأدت إلى تدهور الأوضاع المعيشية وهددت سكان المنطقة بالوقوع تحت براثن الجوع التام.
وأشارت الغرفة إلى توقف جميع التكايا وظل العالقين بالمنطقة والعائدين من مراكز إيواء النزوح يتشاركون القليل الذي مما كانوا يملكون، معلنة عن توقف “150” مطبخاً خيرياً بسبب عدم توفر التمويل اللازم.
وأوضح بيان للغرفة أن المطابخ كانت تمثل شريان الحياة لآلاف الأسر التي باتت الآن مهددة بمجاعة حقيقية، بينما تفتك الأوبئة وسوء التغذية بالعالقين في محلية شرق النيل، مناشدة المنظمات الوطنية والدولية التدخل العاجل لتلافي ذلك.