مقالات

سامر العمرابي.. نهاية فصلٍ وبداية حكاية 

هشام عز الدين (*)

شهادتي في الأخ والصديق العزيز سامر العمرابي، لا يمكن أن تكون محايدة، فهي شهادة من قلب يعرفه جيدًا، ويتتبع رحلته منذ أن كانت فكرة، وحتى أصبحت مسيرة يُشار إليها بالبنان. أكتب عنه اليوم، بقلب ممتن ومليء بالإعزاز، وأنا أعلم أنني لا أفيه حقه، مهما بلغت بلاغة الحروف.

بدأ سامر مشواره من إذاعة أم درمان، ومنها إلى شاشة تلفزيون السودان، عبر برنامج “صباحك يا بلد”، بعد أن نال إجازة صوته من الراحل الكبير محمد خوجلي صالحين، وهو أمر لم يكن يسيرًا، فهذه شهادة لا تُمنح إلا لصوت يحمل صدقًا، وموهبة حقيقية.

ينتمي سامر إلى أسرة إعلامية ذات جذور راسخة؛ والده هو الصحفي المخضرم أحمد إسماعيل العمرابي، اعمامه المخرج الاذاعي عمر اسماعيل العمرابي والصحفي محمد اسماعيل العمرابي ، وعمّاته هما الإعلاميتان سهام ونايلة العمرابي. من هذا البيت المشبع بالمهنة، انطلق سامر ليشق طريقه، لا على ضوء اسم العائلة فقط، بل عبر موهبة اجتهدت، وصوتٍ نذر نفسه للحقيقة.

ثم كانت محطته المفصلية في “الجزيرة الرياضية”، التي أصبحت لاحقًا “بي إن سبورت”، وهناك، وعلى مدار أربعة وعشرين عامًا، ظل سامر وفياً للمهنة، مخلصاً لتربيته، ملتزمًا بأخلاقيات الإعلام بلا تردد أو تعثر. أن تبقى مراسلًا ميدانيًا طيلة هذه السنوات في قناة بهذا الحجم، فذلك أمر نادر لا يتحقق إلا بالاحتراف الحقيقي والانضباط الكامل.

لم تشهد مسيرته الطويلة أي إخلال بمعايير المهنية أو ذرة تجاوز لما يليق بالإعلامي الشريف. كان صادقًا مع جمهوره، حياديًا في تغطيته، محترفًا في حضوره، حتى حين تعلّق الأمر بانتمائه المعروف لنادي المريخ، لم يسمح لعاطفته أن تؤثر على موضوعيته، وقد شهد له بذلك رؤساء نادي الهلال على مر السنوات.

سامر لم يكن مجرد مراسل؛ كان فألًا حسنًا على المنتخب السوداني وعلى ناديي المريخ والهلال. حضوره الميداني، تقاريره، مداخلاته، ولقاءاته كانت تُنتظر بشغف. صوته، الذي صار علامة مميزة، كان يحمل فرحة الجمهور، وصدق اللحظة، ونبض الوطن.

وفي زمن الحرب، حين فُقدت طقوس كثيرة من حياتنا وذاكرتنا، تأتي مغادرة سامر من الشاشة لتزيد من مساحة الحنين، وتُعمّق الإحساس بالفقد. رحيله الإعلامي في هذا التوقيت رمزٌ لزمن جميل بدأ يتلاشى من بين أيدينا.

ورغم كل هذا، لا يمكن الحديث عن سامر دون توجيه الشكر والتقدير لأسرته الصغيرة، التي وقفت معه كظلّه في كل المراحل، وعلى رأسها شريكة حياته ورفيقة دربه “فلذة”، التي كانت له سندًا حقيقيًا. ولا أنسى والدته العظيمة الحاجة “نايلة”، التي غرست فيه القيم التي نراها فيه اليوم، وشقيقه ويده اليمنى إسماعيل، الذي كان حاضرًا في كل محطة من محطات النجاح، يدًا تُعين، وقلبًا يُحب.

سامر العمرابي، لم يكن فقط واجهة إعلامية مشرّفة، بل كان وجهًا سودانيًا نعتز به جميعًا. رجل صعد سلّم المهنة بلا shortcuts بلا واسطة ومن غير رافعة غير اداءه وجديته.

اليوم يغيب عن الشاشة البنفسجية، لكنه لا يغيب عن الوجدان. سيبقى، في عيني وعيون كل من عرفه، نموذجًا نقيًا للإعلامي الحقيقي، واسمًا سودانيًا سنظل نفخر به في كل محفل.

شكرًا يا أبو أحمد … على صدقك، على احترامك للمهنة، على حضورك الذي لم يخذلنا أبداً والقادم أجمل يا صديقي.

إعلامي سوداني (*)

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى