
شكلت ثورة ديسمبر 2019، السودانية نقطة تحول في تاريخ السودان الحديث، إذ أطاحت نظام المخلوع عمر البشير الذي حكم البلاد بقبضة حديدية لأكثر من ثلاثة عقود.
وعلى رغم نجاحها الكبير وتقديم الثوار درساً بليغاً، وادهاش العالم بسلمية الثورة التي هزت عروش أقوى الدكتاتوريات في أفريقيا، إلا أن الثورة لم تسِر في مسارها المتوقع لتحقيق تحول ديمقراطي حقيقي.
(مشاوير)، تحدثت مع أطراف ومجموعات عدة، ذات صلة وثيقة بالثورة، من سياسيين ومحلليين وثوار وكنداكات، للإجابة هذا السؤال المهم هل فعلاً ثورة ديسمبر ضاعت؟، ومن الذي اضاعها ؟، وكيف ؟ ولماذا ؟
التفاف على الثورة
ابتدر الحديث القيادي بالجبهة الوطنية العريضة هشام أبو ريدة قائلاً : طالبنا نحن من داخل ساحة الاعتصام قوى الثورة إعلان حكومتها، وذلك لأن الإعتصام يمثل برلمان الثورة، وكانت النصيحة من رجل له خبرة نضالية طويلة في العمل السياسي وتجارب من خلال الثورات التي قامت في السودان، وهو القيادي الراحل علي محمود حسنين، لكن للأسف ضاعت الثورة بنفس الكيفية التي كان متخوفاً منها.
وأضاف : طالب حسنين قوى الثورة بتسليم خطاب للمجلس العسكري لكي يتم تسليم السلطة للمدنيين دون نقاش أو جلوس على طاولة مفاوضات، حتى لا يحدث تماطل، وبعد ذلك تضيع الثورة وهذا ماحدث بالفعل.
وأوضح أبو ريدة “عقب هذه الخطوات قام الكيزان بالالتفاف على الثورة، ونحن في الجبهة الوطنية العريضة نعتبر الإلتفاف تم منذ 11 أبريل 2019، خلال بيان جعفر بن عوف، من هنا بدأ الالتفاف على الثورة، وبالفعل اتجهت اللجنة الأمنية ومعها القوى السياسية التي تلهث دائماً وراء المناصب مجموعة الهبوط الناعم والتسوية السياسية، حيث نجحوا أن يجعلوا هذه الثورة العظيمة برداً وسلاماً على الإسلاميين.
وتابع : الإلتفاف على الثورة كان واضح منذ صدور إعلان قوى الحرية والتغيير في مطلع يناير 2019، ونحن في الجبهة الوطنية كان لنا رأي حوله خصوصاً غياب القوانين والمحاسبة، غير ذلك فإن مجموعة الهبوط الناعم كانت هي في الصفوف الخلفية وأول ماقامت الثورة هرولت واصبحت في الصفوف الأمامية وفي قيادة الثورة وساعدوا في الالتفاف عليها.
الهبوط الناعم
يواصل هاشم أبو ريدة حديثه قائلاً “هنالك قوى داخل الحرية والتغيير أجندتها تختلف، لكن مجموعة الهبوط الناعم هي التي نجحت في الالتفاف على الثورة واضعاف المد الثوري، حيث جاء حمدوك رئيس للوزراء، وصلاح مناع حكى إنه هو ذهب بصحبة صلاح قوش لمقابلة حمدوك في أديس ابابا واقنعاه بأن يقبل بمنصب رئيس الوزراء، وهذه الخطوة توضح بأن أيادي الأسلاميين كانت تعمل في الإلتفاف على الثورة واضعافها، لكن دائماً كان المد الثوري أقوى من الخيانة التي تمت من القوى السياسية، وفي النهاية عندما فشل الكيزان في اخماد الثورة اشعلوا هذه الحرب الممنهجة، ونحن كجبهة نعلم تماماً مدى خطورة الإسلاميين ومدى تنظيمهم وذلك بعد أن كونوا هذه المليشيات، منها “الدعم السريع” والتي خرجت من رحم نظامهم، وبهذه المسرحية وهذه الحرب ضد الشعب قدروا يكسبوا و يجدوا تعاطف كبير من الشعب السوداني بخاصة في ظل غياب الوعي عن مخططات الإسلاميين، والمحزن أن هناك كثير من المفكرين كانت لهم اسهامات كبيرة في مواجهة هذا النظام، في النهاية اصبحوا ابواق للاسلاميين يدافعون عن الحرب ويقولون أنها حرب كرامة!!، وللأسف تم اقناع الشعب بأن حرب الجنوب حرب جهاد، ولما ماتوا الملايين جاء حسن الترابي وقال هؤلاء ليس شهداء وماتوا “فطايس”.
وأشار أبوريدة إلى أن “الإسلاميين هذا ديدنهم، لكن رغم ذلك نحنا على أمل وعارفين إنو مهما حاول الاسلاميين الالتفاف على الثورة لن ينجحوا، الشعب واعي والكيزان كل ما حاولوا رمي حجر في مياه هذه الثورة يجدوها اكثر جذوة، ومهما حاولوا إطالة أمد هذه الحرب لن ينجحوا في إعادة انتاجهم مرة أخرى في الحياة السياسية، وقالوها أكثر من مرة لن يتركوا الحكم حتى لو أدى ذلك لعدم وجود سودان، لكن ارادة الشعب أقوى من ذلك، وهم يعملون في مخططهم والشعب أقوى من جميع مخططاتهم.
إرادة الشعوب أقوى
يواصل القيادي بالجبهة الوطنية العريضة حديثه “بكل تأكيد الإسلاميين بكل مليشياتهم إذا كانت جنجودية أو التي يتم تفريخها الآن مثل كتائب البراء والبرق الخاطف وغيرها، من أجل أن يتمكنوا في الدولة ومفاصلها ، لكن بكل تأكيد إرادة الشعوب أقوى، مليشيات الجنجويد تدار من خلال الاسلاميين مثل حسبو محمد عبد الرحمن وكثير من القيادات الإسلامية متغولة في هذه المليشيات، وهي تعمل بتناغم وسيمفونية مع قيادات الجيش الذي تمت ادلجته منذ التسعينيات، وأصبح في أيادي الإسلاميين والدخول للكلية الحربية لا يتم إلا عبر المحاصصات والتزكية من الإسلاميين ، لذلك كل القيادات العليا ولاءها للاسلاميين أكتر من الشعب للجيش، لكن نحن على ثقة أن هذا الجيش سيتم تحريره قريباً من قبضة الإسلاميين، وهذه المليشيات سيتم حلها وطرد كل من جاء من بلدان خارجية، وكذلك محاسبتهم جميعاً لان هذه الجرائم لا تسقط بالتقادم.
هيكلة القوات النظامية
يتابع أبوريدة “هنالك قوانيين اعدتها الجبهة الوطنية العريضة، منها قانون لمحاربة الفساد بأنواعه الثلاثة مالي إعلامي و سياسي، اعددنا دستور انتقالي وقانون للعزل السياسي قانون للمحكمة الدستورية ، وقانون إعادة هيكلة القوات النظامية ومعالجة أمر المحكمة الدستورية، وإعادة هيكلة الأحزاب حتى لا تكون أحزاب طائفية، لكنها لم ترى النور بسبب تكالب الجميع على هذه القوانين.
محاكمات ناجزة
وأشار القيادي بالجبهة الوطنية العريضة إلى أن “هناك مجموعة داخل قوى الحرية والتغيير تعمل على محاربة مشروع الجبهة الوطنية العريضة، والآن القوانين موجودة وصالحة لحل اي فراغ، وحددت محاكمات ناجزة وإنصاف، لن يكون جزافاً لاننا لن نتعامل بأخلاق الإسلاميين، سنحاكم الكوز ليس لأنه منظم بل المحاسبة على ارتكاب الجرائم، وهذا إرساء لدولة القانون والدولة المدنية.
معركة مؤجلة
وواصل أبوريدة في القول “لا نرغب في الخوض عن ما حدث من القوى السياسية الأخرى التي اضعفت هذه الثورة العظيمة، لأن الشعب السوداني سيحاسب كل من كان تسبب في ضياعها، وهي معركة لكنها مؤجلة الآن.
وأردف، “الإسلاميين عندما شعروا بخطورة استمرار المد الثوري اشعلوا هذه الحرب، واستمرت حتى الآن، لكنها لم تحقق لهم الغايات التي يرغبون فيها، ولم تغير قناعات هذا الشعب، وستظل مشتعلة حتى اقتلاع هذا النظام.
تآمر داخلي
من جانبها، قالت القيادية بحزب البعث والناشطة في حقوق المرأة اماني ادريس علي بشير إن “ديسمبر لم تبلغ مبلغ الثورة، ويمكن أن نطلق عليها إنتفاضة ثورية، إذ أنها لم (تضِع) بالمعنى المطلق، لكنها تواجه مرحلة صعبة من التراجع بفعل تآمر داخلي وخارجي، وبتأثير ضعف الذات الثورية سياسياً وتنظيمياً.
وأضافت “مع ذلك فإن جذوة الوعي التي أطلقتها ثورة ديسمبر لا تزال حية، خصوصاً لدى الأجيال الشابة، والتاريخ أثبت أن الثورات تُولد أكثر من مرة، وربما تكون هذه التجربة المؤلمة شرط ضروري لبناء وعي سياسي واجتماعي أكثر رسوخاً.
الثورة المضادة
وتواصل أماني “من أهم أسباب تراجع ثورة ديسمبر المجيدة ظهور الثورة المضادة المتمثلة في الدولة العميقة – الفلول – والأجهزة الأمنية والعسكرية (المكون العسكري والمجلس العسكري) بالإضافة إلى قوات”الدعم السريع” وبعض القوى السياسية، وكذلك الحركات المسلحة التي كانت تصنف ضمن (قوى الثورة)، والحس الثوري لدي الثوار كان متقدماً على الوعى الثوري، إضافة إلى ضعف التنظيم الثوري بعد سقوط البشير و الانقسامات داخل قوى الحرية والتغيير ولجان المقاومة، وكانت النتيجة إنقلاب 25 أكتوبر 2021، وصولاً إلى الحرب.
إلى ذلك، اعتبرت الأستاذة الجامعية تماضر الطيب أن “الجميع ساهم في ضياع ثورة ديسمبر، هنالك مجموعة وثقت في الجيش، وأنا واحدة منهم وحمدوك واحد منهم، وكثير مثلنا كانت لديهم ثقة في إمكانية التزام الجيش بالاتفاق وتسليم المدنيين لمجلس السيادة في فترة الحكم المنصوص عليها.
وأضافت “المجموعة التي وثقت في القوات المسلحة كانت واحدة من أخطاءنا، ومن أسباب ضياع الثورة، وهناك مجموعة تانية كانت تري عكس ذلك ولا تثق في الجيش، وترى إمكانية حدوث انقلاب قبل تسليم المدنيين الحكم ، وهذا ماحدث.
اعتصام الموز
وتشير الأستاذة الجامعية إلى أن “هناك مجموعة أخرى ترى أن الثورة سانحة للحصول على المناصب، ومثال لذلك مجموعة اعتصام (الموز) التي دعمت العسكر للإنقلاب على حكومة الفترة الانتقالية.