
تفتح واقعة إيداع مبلغ دولاري كبير، يعود لنادي المريخ، في حساب شخصي لأحد قيادات الاتحاد السوداني لكرة القدم، الباب على مصراعيه أمام تساؤلات عديدة حول مآلات الوضع المالي في نادٍ كبير بحجم المريخ، وكيفية إدارة الشأن المالي فيه من الأساس. فهل هناك مراجعة حقيقية واطلاع على هذا الملف؟ أم أن الأمور تُدار بشكل فردي من قبل رئيس النادي، دون رقابة أو مساءلة من أعضاء المجلس أو الجهات المعنية داخله؟
واقع الحال يشير بوضوح إلى أن الملف المالي في نادي المريخ يعاني من الغموض، ويشوبه نقص في الشفافية يستدعي وقفة جادة. فالنادي ليس شركة خاصة، ولا مؤسسة مملوكة لأي من أعضاء مجلس الإدارة – مهما كانت أسماؤهم أو مناصبهم – بل هو مؤسسة عامة، شئنا أم أبينا، حتى مع اختلافنا حول آلية التمويل الحالية. وإن كان الرئيس هو المموّل الأول والمسيّر المالي للنادي في هذه المرحلة، فإن ذلك لا يُعفيه من ضرورة الالتزام بمبدأ الشفافية، وإدارة الملف المالي بمنهجية واضحة، بعيدًا عن المزاجية التي تطغى على المشهد الإداري بالنادي حاليًا.
إن أموال نادي المريخ أكبر من أن تكون محل تلاعب، سواء من قبل اتحاد معتصم جعفر أو غيره، فهي أموال مؤسسة عامة، ومن الطبيعي أن تخضع للمراجعة الدورية والسنوية. وهنا يبرز سؤال مشروع وملح: هل يقوم ديوان المراجعة القومي، أو المراجع العام لحكومة السودان، بمراجعة حسابات المؤسسات الرياضية – من اتحادات وأندية – باعتبارها مؤسسات عامة تتبع للدولة؟
ما نطرحه هنا بمثابة بلاغ مباشر إلى المراجع العام، بأن هناك العديد من الوقائع داخل الاتحاد السوداني لكرة القدم، وعلى وجه الخصوص داخل ناديي الهلال والمريخ، تستوجب تدخله العاجل لمراجعة الأوضاع المالية، وكشف الحقائق. صحيح أن هناك ميزانيات سنوية تُعد، وتُمرر في الجمعيات العمومية – خاصة في الاتحاد – ولكن هذا الإجراء لا يُعفي ديوان المراجعة من مسؤولياته في الفحص والتدقيق، والاستفسار عن الوقائع التي تثير الريبة والشكوك.
على المراجع القومي أن يدرك أن هناك فوضى حقيقية في إدارة الأموال العامة داخل المؤسسات الرياضية، بدءًا من الاتحادات، مرورًا بالأندية. أموال عامة تُودع في حسابات شخصية؟ أندية تملك حسابات مصرفية داخل وخارج البلاد؟ صفقات بمبالغ مشبوهة؟ عقود “مضروبة”؟ كل ذلك يحدث في العلن، وأمام أعين الجميع.
الدولة تقدم دعمًا ماليًا للهلال والمريخ، من خلال مؤسسات سيادية، وأحيانًا عبر شخصيات قيادية في الدولة. وهذه ليست “هبات” شخصية، بل أموال عامة، يفترض أن تدخل خزائن الأندية والاتحادات، لا الحسابات الشخصية. وهو ما يُحتم على ديوان المراجعة القومي التحرك الفوري لتفحّص الحسابات، خاصة في اتحاد الكرة وناديي الهلال والمريخ.
التدقيق المالي الشامل في هذه المؤسسات أصبح ضرورة ملحة، اليوم قبل الغد، فما كان يُقال همسًا، بات يُقال جهارًا، وهو ما يستدعي تدخلاً عاجلًا من الجهات الرقابية للدولة.
لقد أصبحت الطريقة التي تُدار بها كرة القدم في السودان مثيرة للشبهات، وبات كل من يريد التخلص من أزماته الشخصية أو السياسية، يلجأ إلى الاتحادات والأندية الكبيرة، في ظاهرة باتت مزعجة، مقلقة، ومكرّرة بشكل مريب.
وأخيرًا، نؤكد أن التطوير الحقيقي للرياضة السودانية يبدأ من الشفافية، وصون الأمانة، وإدارة المال العام بنزاهة ومسؤولية، لا بالخضوع للأهواء الشخصية، أو استغلال المناصب لتصفية الحسابات.
نقلا عن آكشن سبورت