تقارير

إيران وضرب القواعد الأميركية في الخليج: رسائل نارية بغطاء دبلوماسي.. أم بداية الانزلاق الإقليمي؟

تقرير - إدريس آيات

في خطوة تحمل كل معاني التصعيد المحسوب، أعلن الحرس الثوري الإيراني أنه استهدف استهدف القاعدة الأميركية في قطر، وستستهدف ست قواعد أميركية أخرى في قطر، البحرين، الكويت، والعراق، وعلى رأسها قاعدة “العديد” الجوية في الدوحة، والتي تُعد إحدى أهم ركائز الانتشار العسكري الأميركي في الشرق الأوسط. 

وجاء القصف الصاروخي الإيراني كردّ مباشر على الضربات الإسرائيلية–الأميركية التي طالت منشآت نووية إيرانية، بينها نطنز وفوردو، والتي اعتبرتها طهران “انتهاكًا لسيادتها النووية” يستوجب ردًا يوازي حجمه الرمزي والسياسي.

لكن اللافت في هذا التطور هو أن إيران، وفق ما كشفته نيويورك تايمز، قامت بإبلاغ الدوحة مسبقًا بموعد الهجوم، ونسّقت معها لتفادي سقوط ضحايا أو حدوث أضرار جسيمة، تمامًا كما فعلت طهران مع بغداد عام 2020 قبل قصف قواعد أميركية ردًا على اغتيال قاسم سليماني. الرسالة الإيرانية كانت واضحة: توجيه ضربة رمزية تحفظ ماء وجه النظام أمام الداخل والخارج، لكنها في الوقت ذاته تُبقي نافذة الدبلوماسية مفتوحة، وتحول دون دفع واشنطن نحو إعلان حرب شاملة.

ورغم أن الدفاعات القطرية والأميركية اعترضت جميع الصواريخ دون إصابات، إلا أن الرد القطري لم يكن حياديًا؛ فقد وصفت الدوحة ما جرى بأنه “اعتداء على السيادة”، وأكدت “الاحتفاظ بحق الرد”، ما يُنذر بتغيرات محتملة في طبيعة المواقف الخليجية، خاصة في حال تكرار الحوادث. 

فالهجوم، وإن كان محسوبًا عسكريًا، يحمل أبعادًا استراتيجية عميقة: إذ يكسر ما تبقى من حياد بعض دول الخليج، ويهدد بتحويلها من مناطق دعم لوجستي إلى مسارح عمليات مباشرة، وهو ما كانت تتجنبه طهران لسنوات.

وفي بيان للحرث الثوري الإيراني، فإنّ المستهدف بالهجوم ليست ” قطر الشقيقة ” بل القاعدة الأمريكية، لكن ومع ذلك أحسب أنّ هذا خطأٌ استراتيجيًا، وفخٌ إسرائيلي-أمريكي وقعت فيها طهران، بتوسيع نطاق الامتعاض الإقليمي تجاه إيران.

فاستهداف القواعد الأميركية في الخليج — حتى بصيغة “رد رمزي منسق” — يطرح سيناريوهات خطيرة. فإدخال قطر، والكويت، وربما البحرين، في معادلة النيران يعقّد الحسابات الإقليمية، ويفتح الباب أمام مواجهة متعددة الجبهات قد تخرج عن نطاق السيطرة، خصوصًا إذا تعرّضت منشآت الطاقة أو الموانئ أو ممرات الشحن في الخليج لأي هجوم لاحق. وقد سبق أن حذّر مسؤولون إيرانيون من احتمال إغلاق مضيقي هرمز وباب المندب، وهما شريانان يمرّ عبرهما أكثر من 20% من إمدادات الطاقة العالمية.

باختصار، ما حدث الليلة، يمثل لحظة فارقة. لأن إطلاق الصواريخ على حلفاء واشنطن في الخليج — حتى إن تمّ بالتنسيق أو التحذير — ينقل المعركة من “إسرائيل–إيران” إلى ساحة أوسع تشمل قلب النظام الأمني الخليجي. ومن يظن أن الأمور ستتوقف هنا، ينسى أن الرصاصات التحذيرية قد تُشعل أعواد الثقاب إذا اختُزلت قرارات الحرب والردع في لحظة سوء تقدير أو تسرّع من طرف ثالث.

بعد هذه الهجمة، يكون فعلاً صندوق الباندورا قدْ فُتح، والمآلات لا يمكن تنبؤها، إلا إذا استغلت قطر الضربة لصالح تخفيض التوتر إقليمياً، وهذا هو السيناريو الذي أتوقع، شريطة أن تغض أمريكا الطرف عن الهجوم على قاعدتها.

في المختصر، لا الضربة الأمريكية على منشآت إيران النووية حققت أهدافها، ولا حققت الضربة الإيرانية الليلة على القاعدة الأميركية في قطر تأثيرًا ملحوظاً على مصالح أمريكا في الشرق الأوسط.

لو كنت مكان صانع القرار الإيراني، لكثفت الضربة على إسرائيل، كتكتيك ردّ الصاغة على الهجوم الأمريكي، فهكذا تحقق طهران شيئين: تحديد من هو العدو، وكسب – أو حياد- دول المنطقة التي تكره المشروع الإسرائيلي الكبير، على مشاريع التمدد الإيراني، من حيث الخطورة، على الأقل في الوقت الراهن.

لكن بهذه الضربة، قد تكون خسرت العنصر الثاني، جزئيًا!.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى