
فيما دخل اتفاق وقف إطلاق النار بين إيران وإسرائيل، صباح اليوم، حيز التنفيذ، يكون بذلك قد انتهى فعليًا الفصل الأول من حرب غريبة الأطوار، اندلعت بشكل مفاجئ بين طهران وتل أبيب قبل نحو 12 يومًا.
وبانجلاء غبار مثل هذه الحروب الكبرى، سواء طال أمدها أو قصر، ينقسم الناس إلى معسكرين لا ثالث لهما: معسكر المهزوم، ومعسكر المنتصر.
ينصرف المنتصر عادة إلى ترتيب كافة الأمور على مقاسه ونصابه هو، فيما يكتفي المهزوم بلعق جراحه، وترميم ما تهدّم على رأسه وفي داخله، بقدر ما يستطيع.
إنكماش ظل:
وللحقيقة، فإن هذه الحرب هي بالأساس حرب نفوذ على المنطقة بين إسرائيل وإيران، وبالتالي، فإن المهزوم الحقيقي فيها هو الطرف الذي سينكمش ظله وينحسر، وتضمر أذرعه أو تنكسر.
ولذا أتصوّر أن الفصل الثاني من هذه المعركة سيُحسم عبر تمدّد الطرف الأقوى على حساب الأضعف، في مناطق نفوذ خصمه.
التباس نفوذ:
في وقتٍ ستُصبح فيه مناطق النفوذ الملتبسة، أولى مسارح المواجهة القادمة.
ومن بينها بالطبع: السودان، الذي انحاز ووقف بشكل شبه رسمي خلال هذه الحرب إلى جانب طهران، رغم كونه من الدول القليلة الموقّعة على اتفاقات “إبراهام” للتطبيع مع إسرائيل.
إنحياز صريح:
ولعل بيانًا أصدرته وزارة الخارجية السودانية، وآخر من علي كرتي، الأمين العام للحركة الإسلامية، عبّرا دون مواربة عن انحياز السودان الصريح لإيران، لا سيما قول كرتي:
“نعلن وقوفنا الكامل وغير المشروط إلى جانب الجمهورية الإسلامية الإيرانية – شعبًا وقيادة – في مواجهة هذا العدوان البغيض.
وندعو كل الحركات الإسلامية والمنظمات والهيئات والرموز في العالم الإسلامي إلى كسر صمتها، ورفع صوتها عاليًا، واستنهاض قواعدها للوقوف صفًا واحدًا في وجه هذا الطغيان الصهيوني.
كما نطالب الأمة الإسلامية قاطبة بالخروج من حالة التراخي والتواطؤ، والتحرك العاجل نحو بناء جبهة إسلامية موحدة لردع الكيان الغاصب، ومناصرة قضايا الحق والمقاومة.
فالكيان الصهيوني لا يفهم إلا لغة القوة.”
تموضع معاكس:
في المقابل، كان محمد حمدان دقلو، قائد قوات الدعم السريع، قد أصدر منشورًا أمس شدّد فيه على ضرورة عدم السماح لإيران بامتلاك سلاح نووي، معتبرًا أن امتلاك طهران لهذا النوع من السلاح من شأنه أن يؤدي إلى تفاقم التوترات الإقليمية ويُشكّل تهديدًا خطيرًا للأمن العالمي.
كما حثّ إيران في الوقت ذاته على وقف تدخلها في الشؤون الداخلية للدول المجاورة، ودعا المجتمع الدولي إلى التحرك الحازم للحفاظ على مبادئ السلام، وعدم الاعتداء، والاحترام المتبادل بين الدول.
بتر للأذرع:
وفي هذا السياق، تعهّد إيدي كوهين، المقرب من دوائر صنع القرار في إسرائيل، بـ”بتر الذراع الإيرانية في السودان”، حيث قال في تغريدة على منصة X:
“النظام الإيراني البائد يستغل الأحداث في السودان وغياب الرقابة الدولية لبناء نفوذ لها وليستمر في تشكيل خطر علي المنطقة يا عرب.
اقرأوا بأنفسكم تورط إيران في السودان، اسرائيل تقوم بخدمة جليلة لكل المنطقة عبر بتر الذراع الإيراني المتآمر علي كل دول المنطقة”.
كرات لهب متدحرجة:
علي أية حال، ورغم أن نيران المواجهة المباشرة بين تل أبيب وطهران قد خمدت، فإن ذلك لا يعني بالضرورة أن هذه الحرب قد انتهت، بل ربما انها قد تغيّر فقط ساحتها.
فمن أرض الجنوب اللبناني وسهول الجليل، إلى سماء أصفهان، كانت النار تقذف بكراتها الملتهبة.
أما الآن، وقد دخلت الحرب طور “الظل”، فإن كرة اللهب ذاتها قد تتدحرج بهدوء ماكر نحو أطراف أخري، إلى مواطن هشاشة الدولة، وتضارب الولاءات، وانكشاف السيادة.
سماء ملغومة:
فالي أين ستقفز هذه الكرات المتدحرجة الملتهبة؟
الي العراق المتعب؟ أم الي اليمن المثخن؟ أم الي لبنان أو السودان المتنازع عليه، حيث تتشابك الخطوط والأيادي، ويشتبك الوكلاء بالمصالح والولاء؟
السؤال سيظل معلّقا في سماء ملغومة، والجواب، قد يأتي في أي لحظة بدوي صوت يصم الآذان.