
وأنا أتابع خطاب نتنياهو بعد إعلان أمريكا أنها قصفت المفاعلات النووية الإيرانية، وحالت دون وصول إيران لتخصيب اليورانيوم، العملية الأمريكية التي سبقتها بعض التفاصيل ذات الإثارة الهوليودية، من تصريحات ترامب التي أعطت مهلة أسبوع لإيران حتى تأتي مستسلمة لطاولة المفاوضات، إلى متابعة القاذفات العملاقة وهي تتحرك من أمريكا تجاه إيران، إضافةً للجدل حول: هل ستدخل أمريكا الحرب أم لا؟ كل ذلك بدا لي سيناريو نفسيًّا وتضليليًّا أكثر من كونه تخطيطًا جادًّا للضرب.
وربما سبقت ذلك حوارات سياسية على قدر كبير من السرية، ولم تتوقف الخطوط الساخنة والتواصل الثلاثي: إيران، إسرائيل، وأمريكا.
لكن فيما يتعلق بخطاب نتنياهو، الذي خرج فيه بعد الضربة يشكر أمريكا (ويكسر التلج العبري) عن صداقتهم المتينة، وأن أمريكا أنهت التهديد النووي الإيراني، فهو في الواقع -عندي- لم يكن سوى (خطاب هزيمة) لنتنياهو، وإعطاء القرار بالكامل في منطقة الشرق الأوسط، بما في ذلك الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، للولايات المتحدة.
وهو يعكس الفشل الإسرائيلي في فرض رؤيتها بالعنف والقمع والسحل. ويعكس أيضًا أن السياسة الأمريكية، التي مرت بتجارب فيها كثير من الامتعاض وعدم الرضا، وصلت إلى أن سياسة نتنياهو وانفراده بالقرار والعمل العسكري أصبح خصمًا على الدور الأمريكي في المنطقة، وأن أمريكا هي التي ستتولى الملف بالكامل بعد فشل إسرائيل وأدوات العنف.
كثير من المتابعين لم ينتبهوا لمقولة ترامب إن “إسرائيل ليس لديها الإمكانيات العسكرية لضرب المفاعلات الإيرانية”، وهو حديث مهم لأنه (ينفّس) البروباغندا الإسرائيلية حول القدرات الأسطورية الفائقة لجيشها واستخباراتها في الوصول لأهدافها، وهي قدرات لم تكن لتتم لولا المساعدات الأمريكية الكبيرة.
لذا، فإن مقولة ترامب هذه المقصود منها تفكيك الأنا الإسرائيلية وتحجيمها لصالح خطة أخرى في الشرق الأوسط، تساوي بين الفاعلين الرئيسيين في المنطقة، ومن بينهم إسرائيل، وإيران، والسعودية، ومصر. ذلك أن عنصر التفوق الإسرائيلي وأسطورة القبة الحديدية اتضح أنها عنصر دعائي أكثر من كونها حقيقة ماثلة على الأرض.
وبقول ترامب إن إسرائيل ليس لديها إمكانيات، إنما أراد أن يضع حدًّا للطموح الإسرائيلي ولمغامرات نتنياهو، التي أصبحت عبئًا حقيقيًّا على مصالح أمريكا في المنطقة.
وعلينا أن نتذكر كيف تجاوزت الدبابات الإسرائيلية الحدود السورية، في وقت كانت ترتب فيه أمريكا لنظام جديد بديل للأسد، بحجة أن هناك خلايا معادية لإسرائيل، وتريد إسرائيل أن تحمي حدودها. تلك الدبابات التي اخترقت الحدود السورية لتصل إلى أقرب مدينة، كانت تعبر عن التناقض بين الموقف الإسرائيلي والأمريكي؛ ففي الوقت الذي ترتب فيه أمريكا المنطقة، تصر إسرائيل على حشر أجندتها وتفخيخ الصراع مرة أخرى.
لحظة دخول تلك الدبابات لسوريا، كانت هي لحظة ابتزاز خاطئ من إسرائيل للولايات المتحدة.
تدرك الولايات المتحدة أن نهاية إيران ستكون كارثية في المنطقة، وستجعل السياسة الإسرائيلية تنفرد برعونتها في المنطقة. لذا، فإن وجود إيران مهم لأمريكا وللتوازن في المنطقة، بجانب أن أمريكا أدركت -أو هي مدركة من قبل- أن دولة إقليمية كبيرة ولها تأثيرها. وهذا ما يجعلني أؤكد، بمقاربة قد تقبل الخطأ، أن إيران كسبت هذه الحرب، وأنها بصدد مرحلة جديدة في خلق توازن وسلام في المنطقة بقيادة أمريكية، وأن إسرائيل ستتراجع، ليس لتكون دولة عادية، وإنما دولة على قدم المساواة في السياسة الأمريكية الكلية في المنطقة، التي لا تحمل تمييزها عن الآخرين كما في السابق ، بينما في الأفق تطبيع إيراني أمريكي كامل.