
في خطوة وُصفت بأنها الأخطر منذ انفصال جنوب السودان عام 2011، أعلن تحالف تقوده قوات الدعم السريع (RSF) عن تشكيل “حكومة السلام والوحدة” في مناطق سيطرته، بالتنسيق مع الحركة الشعبية لتحرير السودان–شمال (الحلو)، وعدد من الفصائل المسلحة الأخرى. هذه الخطوة – رغم نفي نوايا الانفصال – أعادت إلى السطح سؤالًا قديمًا جديدًا: هل يتجه السودان إلى تقسيم آخر؟
حكومة موازية… من الحرب إلى الإدارة
في أبريل 2025، أعلن قائد قوات الدعم السريع، الفريق أول محمد حمدان دقلو (حميدتي)، عن تشكيل حكومة موازية سُمّيت بـ”حكومة السلام والوحدة”، تضم وزارات وهيئات تشريعية وتنفيذية تدير مناطق واسعة من دارفور وكردفان، وربما تمتد شرقًا نحو النيل الأزرق.
الخطوة جاءت بعد أشهر من المشاورات واللقاءات في نيروبي وأديس أبابا، نتج عنها ما يُعرف صحفياً بـ “ميثاق نيروبي”، والذي وضع ملامح أولية لإدارة ذاتية للمعارضة المسلحة في المناطق غير الخاضعة للحكومة المركزية في الخرطوم.
الدعم السريع: تفكيك الدولة أم استعادة التوازن؟
رغم عدم صدور أي تصريح رسمي من قادة الدعم السريع يدعو صراحة إلى الانفصال، إلا أن تشكيل هذه الحكومة الموازية، والحديث عن تقسيم إداري جديد إلى ثماني مناطق، أثار قلقًا محليًا ودوليًا من احتمال الانزلاق إلى سيناريو “التقسيم الفعلي.
وفي مقابلات وتصريحات، حرص قادة RSF على تأكيد أن الخطوة تهدف إلى “سد الفراغ الإداري في المناطق المحررة”، لا إلى تفكيك السودان.
غير أن مراقبين يرون أن إنشاء مؤسسات موازية يتجاوز حدود “الإدارة المدنية المؤقتة”، ويؤسس لواقع سياسي جديد.
القوميون الشماليون
المفارقة أن الجهة الوحيدة التي تُعبّر صراحة عن دعم فكرة الانفصال هي منظمة تُعرف باسم “النهر والبحر”، وهي حركة قومية شمالية، تسعى إلى فصل شمال ووسط وشرق السودان بالإضافة إلى شمال كردفان في دولة خاصة تحت دعاوى ” التميّز التاريخي والثقافي”.
لا ترتبط المنظمة رسميًا بالقوات المسلحة السودانية أو أي كيان سياسي آخر، لكنها تمثّل – بحسب محللين – تعبيرًا عن “نزعات تجزيئية داخل النخبة السياسية في الشمال”، قد تجد لها صدًى كلما طال أمد الحرب.
بلقنة السودان
في ديسمبر 2024، صرّح توم بيرييلو، المبعوث الأميركي الخاص إلى السودان، بأن بعض الفصائل قد تنظر إلى التقسيم كحل مؤقت لإنهاء الحرب، لكنه حذّر بشدة من أن هذه الخطوة ستكون كارثية.
“إذا تم تقسيم السودان الآن، فقد نواجه ثلاثين عامًا من الحروب الإقليمية، كما حدث في البلقان بعد التسعينيات”، قال بيرييلو لصحيفة فاينانشيال تايمز، مشيرًا إلى أن “إنشاء حكومات محلية موازية دون اتفاق وطني شامل، لن يحقق سلامًا بل مزيدًا من التشرذم.
تداعٍ من الداخل
في تقرير لافت صدر في فبراير 2025 عن المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية (ECFR)، حذر الباحث أندرو فينكل من أن السودان يقترب فعليًا وواقعياً من التقسيم “بحكم الأمر الواقع”، وأن القوى المحلية والإقليمية باتت تتعامل مع البلاد كفضاءات نفوذ أكثر من كونها دولة واحدة.
وأشار التقرير إلى أن “بعض الأطراف، بما في ذلك فصائل في المعارضة المسلحة، ودول إقليمية، باتت تنظر إلى التقسيم كأحد الحلول المحتملة لإنهاء النزاع”، رغم عدم وجود إعلان رسمي من تلك الفصائل نفسها.
بين السطور: واقع لا يُقال
الوضع المعقّد في السودان اليوم يشبه رقعة شطرنج، كل لاعب يحرّك قواته دون أن يعلن نواياه الكاملة.
قوات الدعم السريع تؤكد أنها “لا تسعى للانفصال”، لكنها تبني هياكل دولة.
الحكومة المركزية تصف ما يحدث بـ”التمرد”، لكنها فقدت السيطرة الفعلية على أكثر من نصف مساحة البلاد.
اللاعبون الدوليون يتدخلون بالتمويل، والسلاح، والدعم السياسي – لكن أحدًا لا يملك رؤية جامعة.
قد لا يُعلَن التقسيم رسميًا… لكنه قد يحدث دون إعلان.