
أكثر الذين لحق بهم الضرر من الحرب التي تدور في منطقة كازقيل بولاية شمال كردفان هم الرّعاة. إذ تُعدّ المنطقة من أهم مناطق الرعي، وتوجد حولها مساحات شاسعة يَفِد إليها رعاة الأبقار والأغنام في فصل الخريف، ولذلك أنشئ بها أهمّ مصانع للجُبن بإقليم كردفان.
ومع بداية خريف هذا العام، تكرّرت مأساة الرعاة للسنة الثالثة، فقد شرّدتهم الحرب من المخارف التي كانت تقضي بها الأبقار والأغنام فصل الخريف، وتفرّقت بهم الاتجاهات، فنزح بعضهم إلى دارفور وبعضهم إلى ولاية جنوب كردفان.
أزمة المراعي
يقول يوسف مقدَّم، أحد الرعاة الذين كانوا يقضون فصل الخريف بتلك المنطقة لمنصة (مشاوير)، إنهم خسروا أهم المراعي الطبيعية بإقليم كردفان منذ بداية الحرب، لذلك ذهبوا إلى مناطق نائية بحثاً عن المرعى. ويضيف يوسف الذي انتقل إلى جنوب كردفان، أنّ كازقيل كانت بالنسبة للرعاة مكسباً مُهماً، حيث توجد بها المراعي الجيدة بجانب سوق الألبان التي تُصنع منها الأجبان بمختلف أنواعها.
ويستطرد يوسف : «لم نخسر المرعى فقط، كذلك خسرنا مصدر الدخل الذي كنا نحصل عليه من سوق الألبان الذي كان يسهم على نحو فارق في تحسين أوضاع الرعاة، ومنذ ثلاث سنوات أصبحنا نعتمد على بيع حيواناتنا للحصول على النقود التي كانت تأتينا من بيع الألبان».
أهمية بالغة
ولا تنحصر أهمية كازقيل (45 كيلومتراً جنوب الأبيض على الطريق القومي)، في أنها مرعىً مُهمٌّ لقطعان الماشية وسوق للألبان، فقد أصبح موقعها الاستراتيجي على الطريق المؤدّي إلى مدينتي الدبيبات والدلنج، نقطةَ ارتكاز متقدّمة لطرفي الحرب؛ إذ تريدها القوات المسلحة مرتكزاً ونقطة دفاع متقدّمة نحو استرداد الدبيبات، وفي المقابل تريدها قوات الدعم السريع نقطة هجوم متقدّمة نحو الأبيض.
وفي مايو الماضي استردّها الجيش من الدعم السريع، وانطلق منها إلى تحرير الدبيبات، وفي نهاية مايو ذاته استردّتها الدعم السريع، وفي خضمّ الأسبوع الماضي تبادل الطرفان السيطرة عليها.
وتسببت المعارك الأخيرة حول كازقيل في نزوح سكّان عدد من القرى نحو الأبيض، منها قريتا «لمّينا» و «ألحقونا».
تشرد ونزوح
ويقول أحد سكّان قرية ألحقونا، التي هاجمتها الدعم السريع سابقاً، وقُتل فيها ما يزيد عن “21” مدنياً، لمنصة (مشاوير) إنّ سكان قُرى أُخرى قد فرّوا نحو الأبيض بعد عودة الدعم السريع إلى المنطقة.
وأخبر المواطن بأنّ طرفي القتال قد نفّذا عمليات انتقامية في حقّ المدنيين، وهو ما دفعهم للنزوح نحو الأبيض تاركين خلفهم آخر استعداداتهم لمجابهة فصل الخريف.
ووفقاً لموسى محمد، وهو أحد الزعماء القبَليين في منطقة كازقيل، فإنّ المعارك العسكرية في هذه الأيام شرّدت المدنيين وضيّعت فرصتهم في بدء موسم الزراعة، وهو ما صعّب حياة السكان، وإذا لم يلحقوا به سوف يتضوّرون جوعاً حتى العام المقبل.
وبحسب مصادر محلية من كازقيل، فإنّ المنطقة تشهد حالة نزوح مستمرّة نحو الأبيّض والرهد وأم روابة وهو ما يؤثّر كثيراً على معيشة السكّان الذين يَعتمدون في رزقهم على الزراعة التي حرَمتهم منها المعارك والحرب الدائرة حالياً في المنطقة.