
في مفارقة حضارية لافتة
شهد مطار بورتسودان، المعتمد رسميا كمطار الدولة الأول، حادثة أمنية أقل ما توصف به أنها مبكية مضحكة. فقد تعطل جهاز كشف الأمتعة، فلجأ موظف التفتيش إلى المصحف الشريف، طالبا من المسافرين أداء القسم على أنهم لا يخفون أي ممنوعات.
شهود عيان أكدوا أن المشهد بدا كمزيج غير موفق بين صالة سفر ومنبر خطبة، حيث وقف المسافرون في صف طويل، يرددون الواحد تلو الآخر: “والله ما شايل حاجة”، ليُسمح لهم بالمرور.
تحولت قاعة التفتيش، بحسب أحد الركاب، إلى ما يشبه مدرسة قرآنية. لا وجود لأجهزة إلكترونية، ولا حاجة لماسحات أو شاشات، فقط ثقة بالنوايا وربما شيء من حسن الظن.
إدارة المطار التزمت الصمت، لكن منصات التواصل انفجرت بتعليقات لاذعة، اعتبر كثيرون أن ما جرى هو خلاصة تآكل الدولة: لا كهرباء، لا صيانة، لا أجهزة… فقط مصحف وموظف متوتر.
علق أحدهم ساخرا:
“الواحد مفروض يقسم ثلاث مرات… مرة عن اللابتوب، ومرة عن الشنطة، ومرة عشان ربنا يسهلها.”
ورد آخر:
“دي ما حكومة دولة… دي خلوة!”
واستمرت التعليقات:
“المصحف ما بحتاج كهرباء”
“قريب حيطلبوا منك صورة أشعة لضميرك، وتقرير طبي عن نيتك”
“طيب ما نلغي التفتيش خالص، ونخلي المسافر يصلي ركعتين وبس”
سفر النوايا
مطار بورتسودان، الذي أصبح المطار الرئاسي والعسكري والإنساني في آن واحد، يعيش مرحلة انتقالية… من الحداثة إلى الميثولوجيا. طائراته تقلع إذا توفر الوقود. وركابه يعبرون إن اجتازوا اختبار الإيمان.
في مشهد أخير، أشار مسافر إلى السماء وقال:
“نحن ماشيين ما على جدول الرحلات، نحن ماشيين على قدر الله.”
في السودان، حين تنكسر آلة، لا تصلح… بل يغفر لها. وحين تفشل الدولة، يطلب من الناس أن يتصرفوا كمواطنين في المدينة الفاضلة: شرفاء، صادقين، لا يسرقون ولا يخفون… فقط يقسمون.
وحتى إشعار آخر، سيبقى جهاز التفتيش عاطلا… والمصحف حاضرا. وربما تعلن السلطات قريبا عن إدخال “أداء القسم الإلكتروني” كتقنية بديلة، بالتوازي مع “دعاء الإقلاع” بدلا من خطة الطوارئ.