مقالات

سيناريو سقوط الدومينو، هل بات وشيكا؟!

الجميل الفاضل

وهل نحن علي أعتاب لحظة سحرية، أو لحظة فارقة في التاريخ السوداني، في ظل المتغيرات الدولية والاقليمية، مع إرتفاع وتيرة الإهتمام بحرب السودان المنسية.

ثم هل بلغنا نقطة التحول التاريخي التي يتبعها لا محالة انقلاب كامل في طبيعة الأوضاع؟

المهم في قلب القرن الأفريقي، تلتقي الآن رياح الصحراء الساخنة بأمواج البحر الأحمر الهادرة، ليقف السودان على شفا هاوية.

ففي هذه البلاد اليوم، أينما وليت وجهك كل شيء قابل للإنفجار.

لوحدها، ومن داخلها تنفجر هنا الأشياء دون مقدمات، تفك إرتباطها مع بعضها البعض بأيدي ملساء ناعمة، أو حتي بأسنان حمراء مدججة، بأضراس طاحنة، وبقواطع حادة.

لتتلو كل إنفجار كبير وقع، سلسلة إنفجارات أخري تتبع، أصغر حجما تصدر عن فتافيت وذرات الجسم الأكبر الذي تداعي فإنفجر، وهكذا دواليك تتوالي الإنفجارات تتري، كأنما حريقا قد شب بمخزن بارود، يختلط فيه الحابل بالنابل.

المختطف الغامض:

منذ أبريل 2023، تحولت البلاد إلى ساحة معركة دامية بين الجيش والدعم السريع، لكن وراء هذا الصراع العسكري يكمن مختطف غامض، يمسك بمؤسسات الدولة والجيش كرهينة، مهدداً بتفجير ليس فقط السودان، بل المنطقة بأكملها. 

هذا المختطف هو الحركة الإسلامية السودانية، التي حكمت البلاد لأكثر من ثلاثين عاماً، وتتأهب حاليا لإشعال فتيل الدمار الي أوسع مدي ونطاق ممكن، إذا فشلت في استعادة عرشها المفقود. 

مع شبكاتها العابرة للحدود، وتحالفاتها مع قبائل متمردة، وتأثيرها الأيديولوجي، تقود الحركة المنطقة نحو سيناريو تأثير الدومينو.

شهوة تغيير العالم:

فالإسلاميون الذين تتملكهم شهوة تغيير العالم بأسره، لم يبنوا في السودان مجرد حزب للتنافس السياسي مع الآخرين، عبر آليات التداول السلمي للسلطة، بل إنهم قد أعدوا العدة منذ البداية لإحكام سيطرتهم علي السودان كمنصة للانطلاق منها الي تغيير الإقليم والعالم. 

ولهذه الغاية انشأوا فضلا عن جيوشهم وكتائبهم الموازية، المركز الاسلامى الافريقى، الذي صار من بعد جامعة افريقيا العالمية، ومنظمة الدعوة الاسلامية، وتوابعها شركة دانفوديو، والوكالة الإسلامية الأفريقية للإغاثة، ولجنة مسلمى افريقيا، ثم مدارس المجلس الافريقى، وبنوك كبنك التضامن والشمال، وبنك فيصل الإسلامي والشركات التابعة لبنك فيصل كالشركة العقارية، والشركة الإسلامية للاستثمار، والوصيد، ثم شركة التنمية الاسلامية، ولجنة مسلمى أفريقيا الكويتية، وشركات التأمين الإسلامية، وبنك البركة، بكافة افرعها فى الولايات، وفي دول الجوار.

سقوط الدومينو:

هذه المنصة مهددة اليوم بالسقوط كلها كاحجار الدومينو التي ترتب في العادة بإنتظام في وضع الوقوف أو الإرتكاز، على طرف إحداها.

وهو وضع يهيئ كل هذه القطع، للسقوط دفعة واحدة، لينهار من ثم ترتيبها الأول، ولينشأ لها شكلا آخرا جديدا ومختلفا. 

فقد إستعار الساسة الامريكان نظرية من هذه اللعبة، أسماها الرئيس الأمريكي ايزينهاور أثناء الحرب الباردة “نظريه الدومينو”.

التي تقوم على أن سقوط أي جزء من أي نظام، لابد أن يمهد تلقائياً لتساقط باقي اجزائه.

حيث يمكن أن تسقط أيضا دول الجوار، تشاد، جنوب السودان، إريتريا، إثيوبيا، مصر، وليبيا، واحدة تلو الأخرى في فوضى عارمة.

الرهينة في قبضة المختطف:

في شوارع بورتسودان المكتظة، تنساب رائحة البحر المالح مع صافرات السفن، يقبع قادة الحركة الإسلامية وراء كواليس المدينة الغامضة التي أسماها البعض “بورت كيزان”، يدبرون كيف يحتفظون بسيطرتهم على الجيش والدولة. 

فمنذ انقلاب 1989، حولت الحركة الجيش إلى أداة طيعة، وزرعت أتباعها في مفاصل الدولة، من الوزارات إلى كافة المرافق. 

لكن اليوم، مع تزايد الضغوط الدولية، تشعر الحركة بأن قبضتها تتراخى يوما بعد يوم. 

الجيش والدولة، كرهينة في يد مختطف يائس، مهددان بالتدمير إذا لم تتحقق أهداف الحركة في استعادة السلطة بالكامل أو، على الأقل، الحفاظ على الجيش غرفتها للتحكم والسيطرة علي البلاد.

مثلها مثل مختطف يمسك بسلاح مشحون، تهدد الحركة الإسلامية بافعال قد تؤدي لتفجير الإقليم إذا لم تُلبَ مطالبها. 

أذرعها العابرة للحدود، تمتد كالأخطبوط عبر الصومال، تشاد، ونيجيريا ودول أخري، تبدو جاهزة لنشر الفوضى في كل مكان، من خلال تجنيد المقاتلين وتعبئة الأيديولوجيات المتطرفة. 

توسيع نطاق المواجهات:

وفي شرق السودان، حيث تسيطر على بورتسودان، تتحالف مع قبائل مثل البجا والبني عامر، المدعومة من إريتريا، لتصعيد المواجهة وتوسيع نطاقها.

القبائل في السهول الحدودية بين السودان وتشاد، يتردد علي اذانها هناك صدى الطلقات.

فقبائل التداخل الحدودي، أصبحت وقوداً للصراع. 

في دارفور، تستغل الحركة الإسلامية التوترات العرقية عبر أذرعها الإستخبارية لتعبئة القبائل ضد بعضها البعض. 

إذا سقطت تشاد في الفوضى، فإن الساحل، بما في ذلك مالي والنيجر، سيلحق بها، مدفوعاً بنفوذ بوكو حرام، التي قد تجد في الواقع الذي ستفرضه طموحات الحركة الإسلامية فرصة ذهبية.

انهيار جنوب السودان:

في جنوب السودان، تنتشر النيران أسرع. 

قبائل الدينكا والنوير، التي شارك مرتزقة منها في حرب السودان، تضع اتفاق السلام الهش (2018) على المحك. 

إذا تأججت نيران الحرب الأهلية بين النوير والدينكا الي اكثر، فإن جنوب السودان سينهار، مع نزوح ملايين إضافيين نحو أوغندا وإثيوبيا، وبالطبع توقف صادرات النفط عبر خط الأنابيب السوداني. 

الحركة الإسلامية، بأذرعها في مخيمات اللاجئين، قد تستغل هذا الفراغ لتجنيد مزيد من المقاتلين لنشر مزيد من الفوضى كالتي تحدث حاليا بمعسكر “كرياندونق” للاجئين السودانيين باوغندا.

استقطاب التطرف الإقليمي : 

في محضن بورتسودان، تتحول المدينة إلى قلعة للإسلام السياسي. 

الحركة الإسلامية، التي تسيطر على مفاصل الجيش، تستعد للعب ورقتها الأخطر باستقطاب جماعات متطرفة إقليمية. 

حركة الشباب الصومالي، التي تسعى لتوسيع نفوذها خارج الصومال، قد ترى في بورتسودان قاعدة محتملة لنقل الأسلحة والعتاد والتدريب، بدعم من أذرع الحركة الخارجية.

أوضاع مغرية:

بوكو حرام، النشطة في الساحل، قد تستغل تدفق الأسلحة عبر تشاد لتعزيز هجماتها. 

بل حتي في مصر حليف الجيش الحالي، قد تجد جماعة الإخوان المسلمين في دعم الحركة السودانية فرصة لإعادة تنظيم صفوفها، مهددة استقرار القاهرة.

تعثر التجارة العالمية:

بورتسودان ليست مجرد ميناء؛ إنها شريان حياة التجارة في البحر الأحمر. 

إذا نفذت الحركة الإسلامية خطتها التالية فإن التجارة العالمية ستتعثر، مما يستفز تدخلاً من السعودية، الإمارات، أو حتى القوى الدولية الأخري مثل الصين وروسيا. 

هذا التصعيد سيجر إريتريا، التي تدعم الآن الحركة الإسلامية، إلى مواجهة مع إثيوبيا، التي تسعى للوصول إلى البحر الأحمر، مما يشعل حرباً إقليمية.

الرهينة تُقتل:

إذا شعرت الحركة الإسلامية باليأس ربما بسبب تقدم جديد لقوات الدعم السريع، أو بالاتجاه نحو تشكيل حكومة مدنية تستبعدها، فإنها ستعمل علي الا تسقط بمفردها. 

مثلها مثل مختطف يطلق النار على رهينته، فقد تلجأ الحركة في خيار يائس إلى الإجهاز علي الجيش وما تبقي من مظاهر للدولة في وقت واحد.

عرقنة الصراع:

بإشعالها الصراعات العرقية، من خلال دعمها لصدام بين ميليشيات البجا والبني عامر المتنافسة علي شرق السودان، أو بزرع فتنة وتحريض للزغاوة في تشاد ودارفور ضد بعضهم البعض، وضد باقي مكونات انجمينا الاثنية، في موجة تصعيد اضافية للتوترات العابرة للحدود.

تسليح التطرف:

فضلا عن زيادة الطين بلة، بتسليح الجماعات المتطرفة من الشباب الصومالي الي بوكو حرام عبر أذرع الحركة الاخطبوطية، مما يوسع الصراع ليمتد من الصومال الي الساحل.

نموذج الحوثي:

تعطيل الملاحة علي البحر الأحمر علي قرار النموذج الحوثي بدعم من ايران لشل حركة التجارة الدولية، مما سيقود لا محالة لتدخلات إقليمية ودولية واسعة.

أو بدعم الإخوان في مصر لإثارة الاضطرابات، مما يضغط لجر القاهرة للتدخل عسكرياً في هذه الحلبة الملتهبة.

التصدع الكبير:

هذه الاستراتيجيات ستدفع المنطقة نحو سلسلة انهيارات متتالية. 

تشاد، المثقلة بـ1.2 مليون لاجئ، قد تنهار تحت وطأة الصراعات القبلية ونفوذ بوكو حرام. 

جنوب السودان، حيث يهدد انخراط النوير والدينكا في حرب أهلية أكثر ضراوة، الدولة بالسقوط في فوضى تنتشر إلى أوغندا وإثيوبيا. 

إريتريا، التي تدعم الحركة الإسلامية، قد تجد نفسها في مواجهة مع إثيوبيا، بينما مصر وحفتر في ليبيا سيواجهان تداعيات الصراع حول المثلث الحدودي.

ساعة الصفر تقترب:

السودان، كرهينة في قبضة الحركة الإسلامية، يقف على حافة الهاوية. 

مع كل مسيرة تخترق الاجواء، ومع كل براميل تسقطها الطائرات لتخبز السكان، يقترب الإقليم من تأثير دومينو كارثي. 

الحركة الإسلامية، بأذرعها العابرة للحدود، وقبائل التداخل الحدودي، ونفوذها الأيديولوجي، ربما تملك القدرة على إشعال حريق يمتد من تشاد إلى الصومال، ومن إريتريا إلى الساحل. 

تحرير الرهينة:

علي أية حال، إذا لم يتم تحرير الرهينة – الجيش والدولة – خلال الأشهر القليلة القادمة، فإن المنطقة قد تشهد انهياراً متتالياً يغير وجه القرن الأفريقي لعقود. 

الوقت ينفد، والسؤال يبقى: هل سينقذ العالم الرهينة، أم سينهار الإقليم تحت وطأة التفجير.

فرصة ذهبية للإرهاب:

قبائل التداخل الحدودي، أصبحت وقوداً للصراع. 

في دارفور، تستغل الحركة الإسلامية التوترات العرقية عبر أذرعها الإستخبارية لتعبئة القبائل ضد بعضها البعض. 

إذا سقطت تشاد في الفوضى، فإن الساحل، بما في ذلك مالي والنيجر، سيلحق بها، مدفوعاً بنفوذ بوكو حرام، التي قد تجد في الواقع الذي ستفرضه طموحات الحركة الإسلامية فرصة ذهبية.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى