تقارير

منصات للإدانة الشعبية.. كيف تلاحق الحملات التحريضية الأبرياء؟

منتدى الإعلام السوداني

أم درمان، الدبة، 12 يوليو 2025، (سودانايل)- لم يكن عصام عبد الرحمن، (وهذا هو اسمه المستعار لدواعٍ أمنية) يتوقع أن نجاته من أتون الحرب في أم درمان ستقوده إلى ما يقارب 3 أشهر من الاعتقال التعسفي في الولاية الشمالية، دون محاكمة أو تهمة واضحة.

عصام، نازح استقر بأسرته في مدينة الدبة بولاية الشمالية، أوقفته في 23 مارس 2024 قوة تتبع لاستخبارات الجيش أثناء قيادته لسيارته، حيث أُبلغ شفهياً بوجود بلاغ ضده بتهمة “إمداد الدعم السريع بالوقود”. لم تُقدّم له أي مذكرة توقيف أو دليل مادي، وإنما استند الاتهام إلى وشاية يُرجّح أن تكون جزءاً من حملة “بلّغ عن متعاون” التي تصاعدت على وسائل التواصل الاجتماعي في تلك الفترة، حسب ما تقول أسرته.

 

الاعتقال بسبب الاشتباه

تقول شقيقة عصام لـ(سودانايل): “لم يكن له أي نشاط سياسي أو عسكري، فقط كان يحاول إعادة ترتيب حياته بعد النزوح. لكنه وُضع فجأة في دائرة الشك، واعتُقل، ومُنعنا من زيارته أو معرفة مكان احتجازه.”

رغم محاولة الأسرة توكيل محامٍ، ورغم إعلان النيابات عن قوائم دورية للمحتجزين، لم يُعرض عصام على المحكمة مطلقًا. اسمه لم يرد ضمن أي قائمة، ومصيره ظل مجهولًا حتى الآن.

 

حملة “بلّغ عن متعاون”: من بلاغات إلى تصفيات

رصدت “سودانايل” منشورات متداولة على مواقع التواصل الاجتماعي، لا سيما عبر صفحات “فيسبوك” مثل: “بلّغ عن متعاون”، “بلّغ عن متعاون منطقتك”، ” بلغ عن متعاون مدني” وتنشر الصفحة الاحتياطية للشرطي ود المصطفى صورًا ومعلومات شخصية لمدنيين بتهم التعاون مع قوات الدعم السريع، وتطالب صراحةً الجهات الأمنية والعسكرية “باتخاذ اللازم”.

هذه الصفحات، وفقاً لمراقبين، تروّج للوشايات الاجتماعية والسياسية، مستهدفة طلابًا ونساء وأسرًا بكاملها، خصوصاً في مدن مثل عطبرة، مدني، الخرطوم، وغيرها، مستخدمةً مصطلحات مثل “الشفّافة” و”الفلول” و”المتعاونين”، في ظل غياب تام للأدلة القانونية. ويقول محامو الطوارئ إن مثل هذه الحملات تمثل انتهاكًا صارخًا لمبدأ قرينة البراءة، وقد أدت بالفعل إلى اعتقالات عشوائية وتصفية جسدية لأفراد بناء على انتماءاتهم أو أماكن سكنهم، وليس على أدلة دامغة.

 

حرب بلا أهداف واضحة… وميدان مفتوح للجميع

يرى الدكتور إبراهيم كباشي، أستاذ العلوم السياسية بالجامعات، أن حملة “بلّغ عن متعاون” لا يمكن فصلها عن الفوضى التي أفرزتها الحرب،ويقول: “ما نعيشه اليوم هو حالة من الملاحقات اليومية وتصنيفات متغيرة، تظهر في كل مرة توصيفات جديدة يطلقها الفاعلون في الميدان، بهدف تحقيق مكاسب سياسية أو اجتماعية. الحرب خرجت عن سيطرة الأطراف، وأصبح كل من يحمل أجندة قادراً على التأثير.”

ويضيف في حديثه مع (سودانايل) أن المواطن بات يعيش في مقايضة مستمرة بين الأمن والغذاء، بين النجاة والانتماء القسري لمناطق السيطرة، ما يُنتج انتهاكات مركبة لا تقوم على القناعة، بل على الضرورة المفروضة.

 

عسكرة ومناخ للانتقام

يشدد كباشي على أن الحرب أدت إلى عسكرة المجتمع بلا ضوابط، وسط غياب شبه تام للقضاء العسكري والشرطي، وتحوّل المعلومات المتداولة إلى أداة لتصفية الحسابات على أساس اجتماعي، سياسي، أو حتى رياضي، ويشير إلى أن الناس تُصنّف على انطباعات سابقة، أو مواقف خاصة، وفي ظل خطاب الكراهية المتصاعد، اختفى القانون وحضرت التصنيفات الجهوية والعنصرية، فانهارت الثقة في المؤسسات العدلية، واتسعت رقعة القمع إلى خارج مناطق الحرب.

 

حملة غير رسمية بسلاح إعلامي مفتوح

بالمقابل يوضح المحامي محمد صلاح من “هيئة محامو الطوارئ” أن الحملة لم تُطلق من جهات عدلية أو رسمية، بل جاءت من مناصرين للجيش عبر منصات السوشيال ميديا، وسبق أن نُشرت خلالها قوائم مدنيين وُصفوا بأنهم “متعاونون” فقط لوجودهم في مناطق سيطرة الدعم السريع.

ويقول صلاح: في مقابلة مع (سودانايل) : المدنيون كانوا ضحايا بين طرفين، الدعم السريع الذي يضيّق عليهم، ومؤيدو الجيش الذين يلاحقونهم بالاتهام، ويرى أن هذه الدعوات لا تملك أي سند قانوني، وتُستخدم كذريعة للاعتقال أو التصفية دون محاكمة.”

ويشير إلى أن المحاكمات التي تجري في مناطق سيطرة الجيش لا ترقى إلى مستوى المحاكمات العادلة، إذ يُعتقل العشرات دون تمكينهم من مقابلة محامين أو المثول أمام قضاة خلال المدد القانونية. لافتات إلى أن بعض المعتقلين أمضوا أكثر من عام دون أن تنظر المحكمة في قضاياهم، وهو انتهاك صريح للقانون.”

 

خطر على النسيج الاجتماعي

أما المحلل السياسي محمد تورشين، فيحذّر من أن الحملة باتت تهديداً مباشراً للأمن المجتمعي، وينبه إلى أن تصنيف مجموعات كاملة باعتبارها متعاونة مع أحد أطراف الحرب سيُغذي النعرات القبلية والانقسام، وقد يؤدي إلى موجات انتقام يصعب السيطرة عليها، خصوصاً في ظل ضعف الدولة وانهيار القانون.

ويؤكد تورشين لـ(سودانايل) أن ما يُنقل للمجتمع الدولي من خلال هذه الحملات يعكس صورة قاتمة عن السودان، دولةً تنهار فيها العدالة والمؤسسات، وتُدار فيها الحرب من خلال صفحات على فيسبوك.

اتفق المتحدثون الثلاثة على أن السودان يمر بمرحلة حساسة، وأن مواجهة هذه الانفلاتات تتطلب عودة مؤسسات العدالة، وتفعيل دور القضاء العسكري والمدني، مع وقف الخطاب التحريضي، وتوفير ضمانات المحاكمة العادلة.

ينشر منتدى الإعلام السوداني والمؤسسات الأعضاء فيه هذه المادة من إعداد (سودانايل) لتسليط الضوء على حملات التحريض على وسائل التواصل الاجتماعي واستخدامها أداة لتصفية الخصومات السياسية والشخصية وبث خطاب الكراهية. في ظل غياب مؤسسات الدولة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى