تقارير

عسكرة القبائل في حرب السودان .. تهديد أمني ومجتمعي 

تقرير - صديق الدخري 

منذ اندلاع الحرب في السودان منتصف أبريل 2023، برزت ظاهرة التجييش الجهوي والقبلي بإعلان قيام “دروع مناطقية” تحمل أسماء إقليمية متعددة، مثل قوات “درع السودان”، و”درع أبو حمد”، “درع كردفان”، وغيرها بخلاف العدد الكبير من الحركات المسلحة في شرق البلاد وإقليم دارفور. 

وباتت هذه الظاهرة جزءاً من الصراع المسلح متكئة على تحالفات قبلية وميليشيات محلية يرى مؤسسيها أنها تهدف لحماية مناطق في شرق وغرب وشمال السودان، لكنها وبحسب مراقبون ومهتمون أسهمت في تفاقم الصراع وتمدد الحرب إلى مدن ومناطق عديدة، فضلاً عن تمزيق النسيج الاجتماعي.

 

الأسباب والجذور 

في السياق، يرجع الباحث الاجتماعي عز الدين حمد، الجذور والأسباب الرئيسة وراء تمدد ظاهرة التجييش وسط المجتمع السوداني إلى مرحلة اتفاقية أديس أبابا للسلام عام 1973، واستجابة الحكومات السودانية المختلفة للحركات المسلحة بمنحها نصيباً من قسمة في السلطة والثروة وترتيبات أمنية وعسكرية جعلت الجهات والمكونات المختلفة تلجأ لحمل السلاح طمعاً في تحقيق مكاسب سريعة، لكن اقتصار تلك المكاسب على قيادات ومحاسيب ومحازيب تلك الحركات وعدم إنزالها إلى العامة والمناطق المهمشة جعل ظاهرة حمل السلاح مسألة متكررة.

وأضاف في حديثه لمنصة (مشاوير) أن “النظام البائد وعلى مدى ثلاثة عقود نشط في تجييش القبائل ومدها بالسلاح، علاوة على زرع الفتن واتخاذ قضية التهميش رافعة لتكوين عدد كبير من الحركات المسلحة ومنها السلطة والثروة، مما حفز آخرين لحمل السلاح.

يحمل الباحث الاجتماعي النخب السودانية مسؤولية الفشل في قيادة الجماهير وتوجيهها نحو بناء دولة حديثة باقتصاد حديث يرتكز على مشاريع صناعية وزراعية ضخمة تستوعب ثروات البلاد ومواردها الطبيعية والحيوانية وتضمن الرفاه والخدمات للمواطنين، الأمر الذي أدى إلى أن تكون ثروات البلاد في مرمى الطامعين الإقليميين والدوليين الذين يزرعون بذور الاقتتال والتخلف والجهل والجوع والمرض والهجرة والاغتراب. 

 

سيناريوهات خطيرة

على الصعيد نفسه، يرى المحلل السياسي حامد حسين في حديثه لمنصة (مشاوير) أن “الغرف الإعلامية المساندة لهذه المجموعات وأطراف الحرب أسهمت في إشاعة خطاب الكراهية والبغضاء عبر الفضاءات المفتوحة، وإذكاء نار التفرقة وإرهاب المدنيين، مما دفعهم لاقتناء الأسلحة المختلفة وحرصهم على حماية أنفسهم في ظل أجواء تحريضية مخيفة.

وأردف : عدم تنفيذ اتفاق السلام الموقع مع الحركات المسلحة وتعطيل الدعم المحتمل لإنفاذ الترتيبات الأمنية جعل كل حركة تحتفظ بقواتها، وبذلك تعددت أوجه وجود قوات مختلفة على المشهد السياسي والعسكري بكل تعقيداته، مما بث مزيداً من التوتر وأجج المخاوف في أوساط بعض المكونات التي ظلت تشهد بروز أدوار لقوات من مناطق تمثلها حركات السلام، الأمر الذي دفع إلى الساحة بجماعات جعلتها المخاوف تنتظم في تكتلات عسكرية مدعومة بخطاب سياسي يعبر عن مناطقها ومجموعاتها

وزاد حسين : هذا الواقع يشكل سيناريو خطراً على السودان، وقد يفضي إلى تفكيك البلاد، بالتالي ينبغي تسريع جهود إيقاف الحرب، ومن ثم النظر بجدية لقضية التجييش القبلي وتعدد الحركات المسلحة وذلك عبر تكوين جيش واحد مهني. 

 

خطر التقسيم 

على نحو متصل، وأوضح الأمين السياسي في حزب “المؤتمر الشعبي” كمال عمر عبدالسلام أن “الاستقطاب القبلي من قبل طرفي النزاع هو أخطر مهدد لوحدة البلاد، فالبلاد لم تعرف طوال تاريخها عوامل تماسك دستوري وسياسي، وظلت مضطربة تعاني هذا الخلل، ومن المعروف أن قضية التهميش تُعدّ قضية محورية قادت إلى التمرد في بعض الأقاليم، بخاصة الجنوب الذي انفصل بسبب المطالب السياسية التي عولجت بالبندقية، ثم تمردت بعد ذلك حركات دارفور متعللة بمطالب سياسية، لكن كل ذلك والقبيلة بعيدة من الباعث المحرك. 

وأضاف : من المؤسف أن يسعى طرفا الصراع الحالي إلى الزج بالقبيلة في هذه الحرب، مما يجعل منها حرباً أهلية طاحنة تغذيها خطابات الكراهية ويؤدي إلى إطالتها وتقسيم السودان إلى دويلات. 

وتابع أن “دعوة استنهاض واستنفار القبيلة من طرفي الحرب المقصود منها أن من يحسم هذا الصراع لمصلحته سيحكم السودان وفق برنامجه، وهو أمر ينافي الواقع، فكلا الطرفين ليس لديهما برنامج سياسي واضح المعالم للحكم، بل لديهما شهوة السلطة في وقت يتجه العالم كله نحو التطور”.

وأضاف عبدالسلام أنه “في تقديري، من الممكن أن يصادف هذه الدعوة قبول من بعض القبائل بدوافع شتى منها السلطة والغنائم واستباحة أعراض الناس وأموالهم، وهو في نهاية المطاف أمر ليس سهلاً ولن يمر مرور الكرام، فالطرفان يتجاهلان مآلات هذا الأمر، والعالم أصبح عبارة عن قرية، فضلاً عن المساءلة التي ستتم بعد انتهاء الحرب بحق الدماء التي أريقت والدمار الذي لحق بالبلاد بسبب رعونة الطرفين”، داعياً قبائل السودان إلى عدم التورط في هذه الحرب.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى