تقارير

هل يعود الأمن للخرطوم بعد إخلائها من المسلحين؟

مشاوير - وكالات

يعيش سكان العاصمة الخرطوم سواء العالقون أو العائدون من مناطق النزوح حالاً من الرعب والذعر بسبب ما آلت إليه الأوضاع الأمنية فيها من تفلت وتصاعد معدلات الجرائم التي تنفذها مجموعات مسلحة ترتدي زياً عسكرياً، بيد أنها تعد نمطاً جديداً في الحوادث التي انتشرت أثناء الحرب المستمرة حالياً بين الجيش و”الدعم السريع”.

وصدر قرار رئاسي بإخلاء الخرطوم بالكامل من كل القوات والكتائب المسلحة خلال أغسطس الحالي وسبتمبر المقبل، عقب ارتكاب جرائم تحت تهديد السلاح، مما قد يشجع المواطنين على العودة واستعادة الحياة الطبيعية بعد عامين من الحرب.

وشددت اللجنة المعنية بتنفيذ القرار على ضرورة اتخاذ كل ما يلزم لاستتباب الأمن وإزالة المظاهر السلبية ورفع قيمة القانون وهيبة الدولة، فضلاً عن ضبط الوجود الأجنبي داخل العاصمة وترحيل المخالفين والمتفلتين، إضافة إلى إزالة السكن العشوائي.

وكان والي ولاية الخرطوم محمد عثمان حمزة توعد بملاحقة الجماعات المسلحة التي تنتشر في العاصمة وتروع سكانها من خلال تطويق القوات الأمنية المناطق المشتبه فيها، لـ”ملاحقة العصابات المسلحة”، مؤكداً خلال تفقده أسر الضحايا الذين قتلوا على يد مسلحين أن “وجود طرف ثالث يحمل السلاح يزيد من تدهور الوضع الأمني المتدهور أصلاً”.

وسبق أن شهدت العاصمة حادثة قتل الشاب نبيل حامد في ضاحية الحتانة وسط أم درمان مطلع يوليو الماضي، إذ أطلق عليه مسلحون الرصاص قرب منزله بعدما قاوم نهب هاتفه المحمول، إلى جانب هجوم مجموعة مسلحة على تاجر ذهب في مدينة أم درمان واختطافه.

الخرطوم بعد الحرب

عودة عكسية

في السياق قال محمد الهادي الذي يسكن مدينة أم درمان، إنه “من المستغرب أن الجريمة في العاصمة الخرطوم استفحلت بصورة مريبة حتى عقب تحريرها، فقد أصبح المواطنون الذين فضلوا خيار العودة، إلى جانب العالقين منذ بدء الصراع لا يشعرون بالأمان وبات خروجهم من منازلهم محصوراً بالضرورة القصوى بسبب انتشار الجماعات المسلحة التي ترتدي زياً عسكرياً وترتكب جرائم مروعة غالبيتها القتل بالرصاص من أجل النهب”. 

وأضاف الهادي أن “الجرائم تحدث يومياً وعند وقوعها تترك ردود فعل وغضب وسط المواطنين نتيجة عدم السيطرة على الأوضاع الأمنية التي تتجه نحو الأسوأ، فضلاً عن عدم توفر الحماية اللازمة، فالقتل والخطف بهدف النهب والفدية أصبحا أمراً عادياً، إذ إن التعديات على المواطنين تنفذها تشكيلات مختلفة مدججة بالسلاح”.

وتابع “من المؤسف أنه فور عودتي إلى منزلي في أم درمان تعرضت لكسر في ساقي بسبب مقاومتي مجموعة مسلحة أوقفتني، وبعد سؤالي أسئلة عدة لم تكن لها مبررات أيقنت أنهم يحاولون سلب هاتفي وما معي من أموال، وعندما رفضت الاستسلام والانصياع لأوامرهم انهالوا عليّ ضرباً بكعوب أسلحتهم”.

وأشار المتحدث إلى أن “معظم أحياء مدن العاصمة لا تزال خالية من السكان بسبب مخاوفهم من تدهور الأحوال الأمنية التي انهارت منذ بدء الصراع المسلح، وإن لم ينفذ قرار إخلاء الخرطوم من المجموعات المسلحة بالسرعة المطلوبة فإن الوضع سيتجه إلى الأسوأ وستكون هناك عودة عكسية”.

الخرطوم بعد الحرب

حزن وندم

أما المواطن رضوان عبدالغفار، الذي ظل عالقاً في ضاحية الفتيحاب بأم درمان أكثر من عامين فأوضح أن “وتيرة الجرائم ارتفعت عقب اندلاع الحرب، فرأينا بأعيننا اللصوص ينتحلون صفات متعددة وهم في صورة جنود ينهبون ما تبقى بالمنازل المهجورة، وتفاقمت عمليات نهب الهواتف والأموال بعد عودة السكان النازحين وأصبحت متكررة بصورة يومية مثيرة المخاوف والقلق”.

ومضى عبدالغفار “تعرض والدي لطلق ناري في صدره عندما اقتحم مسلحون منزلنا، إلى جانب زوج شقيقتي الذي أصيب في عنقه ولم ندر هدفهم، هل بذريعة السرقة؟ أم الاتهام المعتاد بالانتماء لأحد الطرفين؟ وبسبب هاتين الواقعتين خيم الحزن على أفراد أسرتي وندموا على عدم النزوح وتمسكهم بالبقاء في المنزل في ظل هذه الظروف، فضلاً عن أن هناك حوادث مماثلة كانت تحدث من حين لآخر من دون رادع”. 

ولفت إلى أن “الحرب أفرزت عصابات منظمة بالعاصمة اعتادت على ممارسة الجريمة على نطاق واسع، وفي اعتقادي أن القضاء عليها يحتاج إلى شرطة محترفة تمتلك القدرة على حسم هذا الوضع الخطر”.

الخرطوم بعد الحرب

طريق التعافي

من جهة أخرى يرى صالح عباس أحد الموجودين في مدينة أم درمان، ضاحية أمبدة، أن “كثراً يتحدثون عن التفلتات الأمنية، بخاصة ظاهرة الخطف بالدراجات النارية التي تفشت قبل اندلاع الحرب وانحسرت بسبب الحملات المكثفة التي نظمتها قوات الشرطة ومصادرة ما بحوزتهم من أسلحة”.

وأوضح عباس أن “خلو بعض الأحياء من السكان، إلى جانب عدم عودة الأسواق إلى نشاطها التجاري يمنح المجرمين ملاذات آمنة للاختباء تمهيداً لتنفيذ أعمالهم الإجرامية، لكن من خلال التعايش مع الواقع يمكن القول إن مدينة أم درمان في طريقها نحو التعافي، بخاصة مع العودة الواسعة للمواطنين في ظل التطمينات التي ظلت الجهات الرسمية تبثها، إلى جانب العودة التدريجية لسوق أم درمان وتشغيل بعض المصانع، فضلاً عن مباشرة الحرفيين نشاطهم من جديد”.

واعتبر أن “الأمان الذي يسود بعض الأحياء يرجع إلى استجابة السكان للعودة إلى منازلهم، ومن شأن ذلك رفع نسبة الأمان”. 

وأشار المتحدث إلى أن “الدولة تبذل جهوداً كبيرة لاستعادة الخدمات من كهرباء ومياه وصحة وتعليم ومع ذلك يجب التوصل إلى حل ينهي الحرب، لا سيما أن ما يدور في دارفور وكردفان ليس بعيداً من الخرطوم”.

الخرطوم بعد الحرب

فوضى ممنهجة

من جانبه قال الناشط في “لجان المقاومة” إبراهيم عبدالقادر إن “مدن الخرطوم تشهد عودة غير مسبوقة للنازحين واللاجئين، لكنها تفتقد الأمان، لا سيما أن الجماعات المسلحة تنتشر في تشكيلات مختلفة من دون ضوابط وهو ما تسبب في فوضى عارمة ضربت الخرطوم”. 

وأردف عبدالقادر، “الدعوات المكثفة لعودة المواطنين إلى الخرطوم منذ استعادتها من قبضة ‘الدعم السريع’ قبل أكثر من أربعة أشهر لقيت تجاوباً كبيراً، لكن الوجود الكبير للحركات المسلحة التي يمارس أفرادها العنف ضد المواطنين علناً بعث الرعب في نفوس كثير من سكان العاصمة الذين عادوا إليها يتلمسون طريق الاستقرار وإعادة البناء”.

ونبه الناشط في لجان المقاومة إلى أنه “على رغم استجابة العائدين فإن الخرطوم لم تعد صالحة للحياة ليس لأنها مدينة مدمرة إنما تتحكم فيها الميليشيات وتفرض سيطرة كبيرة بتمركزها في الأحياء السكنية وفي مداخلها ومخارجها”.

الخرطوم بعد الحرب

مشهد معقد

في السياق يرى الضابط المتقاعد الزبير عبدالواحد أن “انتشار الحركات المسلحة في الخرطوم يعقد المشهد الأمني في البلاد، لذا فإن إخلاء العاصمة من مظاهر حاملي السلاح وتركها للشرطة قرار صائب باعتبار أن الأخيرة هي الجهة المسؤولة والمناط بها تأمين المدينة من جوانبها الأمنية كافة، فالجيش الموجود داخلها ينتظر الآن إكمال قوات الشرطة خططها وانتشارها الكامل والمحكم، ومن المتوقع خلال أغسطس الجاري وسبتمبر المقبل إخلاء مدن الولاية من التشكيلات المسلحة”.

وأوضح عبدالواحد أن “وزارة الداخلية بصدد نشر ما يقارب من 30 ألف رجل شرطة بما في ذلك شرطة مكافحة الشغب مع العلم أنها تلقت تدريبات عالية تشمل حرب المدن لقمع الظواهر السلبية”.

منوهاً بأن “الإخلاء العسكري الذي يشمل الجيش سيدفع بقية الحركات المسلحة إلى البحث عن تموضعات جديدة خارج العاصمة، لأن هذا الوجود يعد أمراً غير طبيعي وربما يؤدي إلى انفجار أمني جديد في ظل هذا الوضع”. 

وأكد الضابط المتقاعد أن “استقرار الحياة المدنية يتطلب نزع السلاح، فضلاً عن أن انتشار مسلحين يحملون السلاح يعني الفوضى بالتالي عدم الأمان”.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى