تقارير

السودان: الفاشر بين حصار الدعم السريع وعجز الوسطاء

تقرير - رشا رمزي

تشير أحدث التقارير الميدانية إلى أن مدينة الفاشر، عاصمة شمال دارفور، تقف على حافة الانهيار بعد شهور من الحصار والهجمات المكثفة التي تشنها قوات الدعم السريع. تقرير مختبر العلوم الإنسانية بجامعة ييل الأمريكية أوضح أن سقوط المدينة قد يصبح مسألة وقت لا أكثر، في ظل الانهاك المتزايد الذي تتعرض له القوات المسلحة السودانية وصمودها المتراجع في وجه الهجوم المتعدد المحاور المدعوم بالأسلحة الثقيلة والطائرات المسيّرة. الصور الفضائية التي حللها الفريق البحثي رصدت عشرات الضربات على مقار عسكرية حيوية، ما يعكس مدى التفوق العسكري الميداني لقوات الدعم السريع، مقابل بيانات رسمية للجيش السوداني تصر على أن الوضع ما يزال تحت السيطرة.

نازحي الفاشر 

هذا التباين بين الوقائع الميدانية والخطاب الرسمي يعكس مأزق المؤسسة العسكرية السودانية. فبينما تسعى الفرقة السادسة مشاة لطمأنة الرأي العام، تكشف الصور والوقائع عن قصف يومي يستهدف الأحياء السكنية ومقار الجيش، وصولاً إلى سلاح المهندسين والسلاح الطبي. الأهم أن الدعم السريع لم يعد يكتفي بإحكام الحصار بل يقترب من اختراق الدفاعات المحيطة بالمطار، آخر شريان استراتيجي يربط الفاشر ببقية السودان.

البعد الإنساني للحصار لا يقل خطورة. التقارير الأممية وثّقت نزوح آلاف المدنيين خلال أيام قليلة، فيما كشفت صور الأقمار الصناعية عن محاولات فرار جماعية باتجاه الساتر الترابي المحيط بالمدينة، يقابلها تشديد من قوات الدعم السريع عبر متاريس ونقاط تفتيش تمنع الهروب. منظمة الهجرة الدولية تحدثت عن انتهاكات جسيمة تراوحت بين الاحتجاز والقتل والنهب، بينما سجل مختبر ييل أكثر من سبعين قبراً جديداً في غضون أسبوع، في مؤشر دامٍ على حجم الخسائر البشرية.

مدينة الفاشر

في موازاة الكارثة الإنسانية، فجّر تحقيق استقصائي جدلاً واسعاً بعد كشفه عن صفقة سرية لشراء منظومات دفاع جوي صينية من طراز FB 10-A عبر الجيش التشادي، بتمويل إماراتي، قبل تهريبها إلى السودان. الوثائق التي نشرتها منصة “تشاد ون” أشارت إلى تورط جنرالات ومسؤولين أمنيين كبار في نجامينا، بينهم رئيس أركان سلاح الجو، في تسهيل العملية. هذا الكشف، الذي يتقاطع مع تقارير خبراء الأمم المتحدة، يربط بين الحرب في دارفور وشبكات إقليمية ودولية للاتجار بالسلاح، بما يضع حكومة تشاد أمام مأزق سياسي وأخلاقي على الساحة الدولية.

التشابك بين الحرب الميدانية وصفقات السلاح يعقد أي مساعٍ دبلوماسية لوقف النزاع. فالتحقيق أكد أن الدعم السريع يستغل قنوات التفاوض لكسب الوقت، مستنسخاً سيناريوهات سابقة انتهت بهجمات منهجية على المدنيين. وفي ظل هذه الحقائق، يزداد الضغط على المجتمع الدولي للتدخل العاجل، خاصة وأن تجارب حصارات مدن دارفور السابقة أثبتت أن التأخر في التحرك غالباً ما يعني وصول الأوضاع إلى مستوى الإبادة الجماعية.

مدينة الفاشر

على الصعيد السياسي، تبدو المبادرة التي يخطط الاتحاد الأفريقي لعقدها مطلع أكتوبر في أديس أبابا مهددة بالفشل قبل أن تبدأ. القوى المدنية والعسكرية متناحرة حول شروط المشاركة، والكتل المحسوبة على الجيش تشترط استبعاد تحالف “تأسيس” المرتبط بالدعم السريع. في المقابل، قوى مثل تحالف “صمود” بزعامة عبد الله حمدوك تعترض على الإقصاء لكنها ترفض بدورها الانخراط في العملية، ما يفرغ المبادرة من مضمونها. هذه الانقسامات تجعل الاتحاد الأفريقي أمام اختبار حقيقي لقدراته كوسيط، خصوصاً مع تراجع ثقة السودانيين في دوره مقارنة بالآلية الرباعية التي تضم واشنطن والرياض والقاهرة وأبوظبي.

الفاشر اليوم ليست مجرد مدينة محاصرة، بل مرآة تكثّف مأساة السودان. حصار عسكري يهدد بالانفجار في إبادة جديدة، صفقة سلاح سرية تكشف تورط دول إقليمية في تغذية الحرب، وانقسامات سياسية تعطل أي أفق للسلام. كل ذلك يجعل الأزمة السودانية مفتوحة على احتمالات أكثر قتامة، حيث يضيق الوقت أمام المجتمع الدولي والإقليمي لإثبات أن حماية المدنيين لا تزال أولوية، وأن السودان ليس مجرد ساحة لتصفية الحسابات الإقليمية.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى