
يبدو أن هؤلاء الإسلاميين وجيشهم لا يجدون ضيرًا أو غضاضة في ضرب الخواصر الرخوة خارج قباب الحديد، إذا ما عجزوا عن النيل من نيالا ذاتها أو من مدن دارفورية أخرى.
إنهم يعاقبون الآن “الأحزمة”؛ أحزمة هذه المدن التي تساقطت فرقها وحامياتها كأحجار الدومينو أو كأوراق الخريف.
لقد ضرب، أول أمس فقط، سلاح الطيران المسيّر جمعًا من الناس في قريتي الزُرُق وبلبل، راح ضحية الهجومين العشرات؛ عشرات هم في عرف هذا الجيش وقادته ليسوا سوى ثلاثة وثمانين ‘أم كعوكا” في بلبل وحدها، من فصيلة ذلك النوع الحقير من الحشرات.
هي الحشرات ذاتها التي وصف بها جنرال صفيق، في وقت سابق، أناسا آخرين ينحدرون من هذا الإقليم.
وعلى النحو نفسه، نعت قائد سابق في هذا الجيش، الحركة الشعبية ــ حركة كفاح جنوب السودان المسلحة ــ بـ”الحشرة الشعبية”.
فإن رمي القرى الريفية الآمنة، بمظنة أنها حوائط قصيرة يمكن النيل منها، يظل دليل عجز أكثر مما هو دليل قوة.
وكأنما أراد هذا الجيش أن يقول فقط: نحن موجودون، غير بعيد؛ وأن يدنا طويلة، فلو عجزنا عن بلوغ عاصمتكم أو عن النيل من قادتكم، فإننا سننال من أهلكم، وسنوجعكم في أرحامكم، بل وسنعاقبكم فيهم وبهم، متى كانوا بلا سقف يحميهم من جحيم القصف.
وللحقيقة، فقد بات هذا الجيش مهووسًا إلى حد بعيد، بتأكيد وهم أنه لا يزال قادرًا على إعادة سيطرته على كافة أنحاء البلاد، وأن يده يمكن أن تطال أماكن بعيدة حتى خارج نطاق سيطرته.
المهم، أنه جيش يعربد اليوم كثور هائج في مستودع خزف، يلطم ويناطح في كل الاتجاهات.
فلو أنك لجأت إلى مدينة تحت سلطانه، فأنت إما “وجه غريب”، أو “متعاون مع العدو”، وبالتالي “خائن للوطن” تستحق الشنق بحكم القانون.
وحتى لو أنك نأيت بنفسك عن حماه، وعدت من حيث أتيت إلى ديارك الأولى، فأنت أيضًا “حاضنة” هناك، تستحق الرجم بوابل من نيران مسيّراته الرعناء.
لكن، ورغم كل هذا الجنون، فإن استعمار “التنظيم الدولي للإخوان المسلمين” للسودان لن يطول، مهما تضافرت جهود إسلاميي العالم، بمال قطري سائل، أو بأحدث ما تملكه تركيا وإيران من ترسانات السلاح.
بيد أن ما فات هذا الجيش ومن يقفون خلفه، أن ضرب الأطراف لا يُثبّت مركزًا، وأن القصف الأعمى لا يُعيد الهيبة لجسم فقد روحه.
وبالتالي فإنْ ظنّوا أن القرى حوائط واهية، تنهار تحت صدى القذائف، فليعلموا أن في هذه الأسواق المحروقة تنبت ذاكرة، ومن بين ركام الأكواخ يورق الحنين، ومن تحت الأنقاض تنهض أقدام لا تعرف الانحناء.
فليس في ضرب الأحزمة سوى عزف نشاز على جسد وطنٍ يتعلم من الألم كيف يُغنّي للحرية، ويكتب، بالدم، أنشودة الفجر الذي هو لا محالة آتٍ.