منوعات

وداعاً علي كايرو.. الموهبة التي ضاعت بين ثورة التعليم العالي وثورة الإنقاذ

 متابعات - مشاوير - ناهد إدريس

مضى علي كايرو إلى ربه، بين يدي مليك مقتدر، بعد رحلة قصيرة لكنها مثقلة بالخذلان، كرحلة كثيرين من أبناء هذا الجيل الذين سحقهم نظام لم يُنصف إلا أبناءه.

علي كايرو لم يكن مجرد شاب موهوب… كان صورة حية لجيل كامل تاه بين شعارات جوفاء، وسياسات قتلت الإبداع في مهده. جيل ضحية لما سُمِّي بثورة التعليم العالي، وثورة الإنقاذ، اللتين لم تُنجزا سوى ضياع العقول والمواهب.

كان علي نموذجًا لأبناء هامش العاصمة القومية، ذلك الهامش المثقل بالنقص والحرمان، حيث تتناقص الخدمات، وتغيب المدارس، وتنعدم فرص التأهيل. ومع ذلك ظل يصارع الحياة والمرض بشجاعة نادرة، مؤمنًا بأن الوطن يستحق.

ورغم معاناته، لم يتنكر لانتمائه للجيش، فظل يدعمه بالكلمة والموقف، وهو ذات الجيش الذي لم يمد له يد العون حين سقط فريسة المرض والنزوح واللجوء في كمبالا.

عمل علي ضمن صفوف القوات المسلحة، وخرج منها بصورة غائمة الملامح، يبحث عن ذاته وسط واقع خانق. دخل بعدها عالم المنصات الاجتماعية يحاول يخلق نمطًا فنيًا جديدًا، يجمع بين الغناء والتمثيل والتقليد، تجربة لم تكتمل لكنها حملت في جوفها صدقًا وألمًا، ورسالة من قلب الحيرة:

أن الموهبة وحدها لا تكفي في وطن يُحارب الجمال باسم الدين، ويُقصي الإبداع باسم الولاء.

جيل علي كايرو وُلد على حافة الأمل، وشبّ في زمنٍ سرق حتى الحلم. ضاع بين مدرسة الفن الأصيل التي أنجبت وردي، ومحمد الأمين، وعثمان حسين، وبين موجة الهزل التي خلّفتها الإنقاذ بسياساتها العرجاء، حين جعلت من الفن أداة للتسلية بدل أن يكون صوتًا للوطن والوعي.

رحم الله الشاب علي كايرو، وجعل مرضه كفارة له،

وألهم أسرته وزملاءه الصبر والسلوان.

لكن رحيله يترك سؤالًا مفتوحًا علينا جميعًا أن نسمعه جيدًا:

كم من (علي كايرو) آخر يعيش بيننا اليوم، يصارع الصمت، وينزف موهبته في الخفاء، لأن هذا الوطن لم يتعلّم بعد كيف يحتضن أبناءه؟

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى