
يعتبر الأستاذ رمضان أحمد السيد، من القلائل، وربما يكون الوحيد في المنطقة العربية الذي ظلّ يكتب عموده (لقاء كل يوم) بصورة يومية وراتبة، بعد أن تخلى الكل عن أعمدتهم أو أصبحت كتابة العمود الصحفي عندهم مرتبطة بالمناسبات.
رمضان كأنه حلّت عليه بركة اسم عموده فهو يُجسِّد (لقاء كل يوم) على أرض الواقع والافتراض بشكل يومي.
أحياناً ينعكس عليك الاسم ويفرض عليك ديناميكيته، أو لعنته، فقد وجدت نفسي عالقاً في كثير من الأحيان بين الأرصفة والمطارات مُجسِّداً اسم عمودي (وإن طال السفر)، وظلت الأسفار مصيري وقدري الذي لا مفر منه، حتى في حالات الإقامة فأنا من طبعي (مسافر) بطبيعة الحال، ويبقى (السفر) هو مُتعتي الحقيقية ومدرستي الأولى.
وأعتقد أن الإنسان يجب أن لا تخلو جيوبه من (تذكرة سفر)، شنطتك دائماً خليها جاهزة، أذكر وأنا طالب صغير، إنّني كنت أسافر بملابس المدرسة، وكنت لا أحمل غير (شنطة المدرسة)، وقد ظل السفر قدري الذي أسعد به.. وكثيراً ما كان يعلم أهلي بسفري بعد حينٍ، من أحد الزملاء، عندما يقول لهم الزول دا سافر بعد نهاية اليوم الدراسي، وكان لا يزعجهم ذلك لأنهم اعتادوا عليه.
رمضان أحمد السبد منذ صدور صحيفة “قوون” في التسعينات لا أذكر له غياباً أو احتجاباً لظروف فنية كما يفعل كبار الصحفيين، أحياناً كنوع من النقاهة والفلهمة، لا أعتقد أنّ غيابات عمود رمضان أحمد السيد إذا جمعناها في كل سنواته عندما كان رئيساً لتحرير “قوون” تجاوزت سبعة أو عشرة احتجابات، فقد كان رمضان في يوم العيد يكتب.
المفاجأة عندي أنّ رمضان أحمد السيد ظل يكتب عموده بصورة راتبة ودون انقطاع حتى عندما توقف صدور الصحف الورقية، وتوقف النشاط ولم يتوقف رمضان (ما شاء الله عليه، وتبارك الله)، وقد ظل رمضان محافظاً على طبيعة عموده وأسلوبه، رغم أن الأعمدة الصحفية لم تعد بذات البريق والرواج، وجمهور مواقع التواصل الاجتماعي ميّالٌ إلى (النيوز) والبوستات الخفيفة واللايفات السريعة التي تتحدث عن حدث الساعة، وطبيعة العصر والميديا قد لا تتوافق مع طبيعة العمود، مع ذلك فإني اتفق مع رمضان، إذ إنّني مازلت من أنصار العمود الصحفي وهو ضربٌ لن أتخلّى عنه حتى وإن دخلت لمجالات أخرى أكثر تواكباً للعصر وأقرب إلى جمهور الميديا.
العمود الصحفي فكرة والفكرة لا تموت، والكلمة المكتوبة أكثر قدسية وخلوداً والتاريخ والأدب والثقافة والسيرة كلها نقلت لنا بالكلمة المكتوبة، مع إدراكي أنّ كتابة الرأي والإعلان عنه في الميديا يُصدم دائماً باعتراضات وربما تسب وتلعن بسببه، فأنت مثلاً إذا كتبت عن هيثم مصطفى مادحاً سوف تجد من يخالفك الرأي لأنه لعب للمريخ، ويمكن يشتِّموك.
وإذا كتبت قادحاً سوف يخرج لك من يعتبره أسطورة زرقاء فوق النقد وبرضو ممكن تُشتّم، وهكذا دواليك، مع ذلك نحن مستمرون بهذه المشقة، بل نحن سعداء بها، ولن نتوقف عن ممارستها ولا نأبه بالشتائم ولا نقف عندها.
واحسب أن في كتابة العمود شراكة بين الكاتب والقارئ، وإلفة ونقاشاً وحواراً حتى مع الذين تختلف معهم ولا يعجبهم رأيك.
وحتى الذين يشتِّموك ليست لدينا مشكلة معهم، فنحن نكتب آراءً نحمل وزرها، بل ونسعد بها.
عندما تكتب عموداً صحفياً لا تقف عند التعليقات، ولا تأبه باللايكات، إذا ربطت كتاباتك بهذه الأمور فلن تكتب شيئاً، دع ردود الفعل لغيرك واستمتع بعدم التوقف عندها.
رمضان أحمد السيد يبقى حالة فريدة في الاستمرارية وفي التمسك بقناعاته والقتال بسلاحه، دون أن يتبدل أو أن يُفرض عليه العصر تقليعاته ومتغيراته والتي هي دائماً متقلبة.
أربعة أسماء في الإعلام الرياضي تستحق التكريم وأتمنى الالتفات لذلك وهم:
محمد محمود هساي الذي يمثل (مكتبة) رياضية شاملة.
الرشيد بدوي عبيد وهو (صوت) الوسط الرياضي فهو عامل لينا (حس).
وعلم الدين هاشم وهو الذي يمثل عندنا (الرقي) الذي ننشده وندعو إليه.. وهو (ضمير) الإعلام الرياضي.
ورمضان أحمد السيد، الذي جمع بين النجاح والاستمرارية، منتهجاً نفس القناعات التي جاء بها، فهو (قلمنا) الذي لم ولن يكسر.