مقالات

جمهورية البندقية 

عبّد الجليل سليمان 

مع الاحترام للنيّات – لم تُمارس الأحزاب السودانية؛ السياسة بقدر ما مارست: الخطابة والتجييش، توزيع الأدوار داخل أسر الزعيم، الولاء للزعيم لا للفكرة، والتفاوض على الوزارات لا على المبادئ؛ فأصبحت هياكل من ورق، تقف إذا هبّت الريح، وتنهار إذا صرخ أحدٌ في الميكرفون.

ولأن الفراغ السياسي لا يدوم، فقد دخل الملعب من كانوا في الصف الخلفي:

الحركات المسلحة جاءت تطالب بما عجزت الأحزاب عن تبنيه.

المليشيات القبلية ظهرت لتقول: “إذا لم توصلونا إلى القصر، سندخله بالبندقية.” 

الجهاديون دخلوا من باب ” الهوية الإسلامية الضائعة”. 

بينما قرر الجيش أن يبقى فوق الجميع… لكونه كما يظن “الضامن الدائم” حين تفشل السياسة.

هكذا، تحولت الدولة من ساحة انتخابات إلى ساحة اشتباك، ومن لجان برلمانية إلى غرف عمليات عسكرية.

ما الذي فعلته الأحزاب بالضبط؟تركت البرنامج السياسي وكتبت “ورقة تقدير موقف”.

هجرت التحليل واعتنقت الحدّوتة الثورية.

تنازلت عن التنظيم الداخلي مقابل “الرضا الجماهيري”. 

وبينما كانت الأحزاب تحشد الناس في الساحات، كانت المليشيات تحشدهم في المعسكرات.

إصلاح الأحزاب: هل نبدأ من الصفر أم نحفر تحته؟

الحقيقة أن السودان لا تنقصة أحزاب سياسية بل تفيض عن حاجته إليها، لكنه يعاني من ندرة الأحزاب الحقيقية.

الإصلاح ممكن، لكنه يتطلب:

فصل الشخصنة عن الفكرة: فالحزب ليس مشروعاً توريثًا ولا طريقة صوفية، بل برنامج سياسي يخضع للمحاسبة.

إعادة تعريف العضوية: من ينتمي للحزب يجب أن يعرف لماذا انضم إلى هذا الكيان وأن يطلع على خططه وبرامجه جيداً، ولا يهتم بالشعارات والأيدولوجيا. 

إنشاء مراكز سياسات داخل الأحزاب: لأنك لا تستطيع حكم دولة بمنشورات على فيسبوك واكس وخلايا على واتساب.

دمج الأحزاب المتشابهة: نحتاج إلى 5 أحزاب قوية، لا 50 واجهة ورقية كل واحدة تمثل قبيلة أو ضريح.

التدريب السياسي للشباب: حتى لا يكون خيارهم الوحيد هو حمل السلاح حين يفقدون الأمل في التعبير عن مطالبهم .

من صوت المواطن إلى صوت الرصاص:

حين تغيب الأحزاب الفاعلة، يظهر البديل على شكل:

بندقية تبحث عن “عدالة”.

مليشيا تبحث عن “تمثيل”.

جنرال يبحث عن “تفويض”.

شيخ يبحث عن “خلافة”.

ولن يملأ هذا الفراغ إلا أحزاب، لكن حين تفكر لا تهتف، تنظم لا تبرمج، وتصغي لا تُلقّن.

فهل من حزب يعقل؟

أم فات الأوان !؟

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى