السودانيون وحدهم قادرون على إنقاذ السودان — حتى لو أوقف ترامب الحرب
مقال مشترك: عبدول محمد وأليكس دي وال

هل يمكن لدونالد ترامب أن يُنهي الحرب في السودان؟ الجواب المباشر: نعم، لكنه لن يكون كافياً. فالسودانيون وحدهم من يستطيعون إنقاذ وطنهم.
في العشرين من يوليو، يعقد مسعد بولس، مستشار ترامب للشؤون الإفريقية، اجتماعاً رفيع المستوى لـ “الرباعية” — التي تضم الولايات المتحدة، مصر، السعودية، والإمارات. ولأول مرة منذ أكثر من عامين، ستجتمع هذه القوى الفاعلة في غرفة واحدة لمناقشة الحرب المدمرة في السودان. ورغم أهمية هذا اللقاء، إلا أنه يعكس بوضوح النموذج السياسي الجديد الذي أصبح يتحكم بمصير السودان: نموذج قائم على حسابات جيوسياسية، وصفقات تجارية، وانعدام الاكتراث الحقيقي بوحدة السودان واستقراره على المدى البعيد.
قد تمر طريق السلام عبر العواصم العربية، لكن وجهتها الحالية لا تقود إلى الديمقراطية ولا إلى وحدة السودان.
منذ اندلاع الحرب في أبريل 2023، كان واضحاً أن مفاتيح وقفها بيد ثلاث عواصم: القاهرة والرياض وأبوظبي. فكل منها يدعم طرفاً من طرفي الصراع — مصر والسعودية تدعمان القوات المسلحة بقيادة الفريق عبد الفتاح البرهان، بينما تساند الإمارات قوات الدعم السريع بقيادة الفريق محمد حمدان دقلو (حميدتي). وطالما استمر هذا الدعم، فإن الحرب ستبقى مشتعلة.
اجتماع الرباعية قد يُفضي إلى توحيد المواقف وتقارب في المصالح، ما قد يؤدي إلى وقف لإطلاق النار — وهو إنجاز لم تستطع إدارة بايدن تحقيقه. لكن ما قد يتبع ذلك ليس سلاماً حقيقياً، بل هدنة تستند إلى اعتبارات تجارية ومنافع استراتيجية.
هذا هو نموذج “السلام كسوق سياسية”: حيث لا يتحقق السلام من خلال العدالة أو الحوار أو المشاركة، بل عبر صفقة توزع فيها المكاسب بين القوى المتصارعة ورعاتها، ويُقدَّم ذلك كله في غلاف “اتفاق سلام”. إنه سلام يحفظ ماء الوجه، لكنه لا يُحاسب أحداً ولا يُلبي تطلعات الشعب.
نموذج ترامب للسلام قائم على التبادلية والاستعراض — لكنه قد يُنهي المعارك مؤقتاً.
من المتوقع أن يستخدم ترامب أسلوبه الشعبوي المعتاد في عقد الصفقات، كما فعل في “اتفاقات أبراهام”. وإذا نجحت هذه الصفقة، فستُقدم في قالب احتفالي شعبوي: قوى عربية تقدم تنازلات تحت رعاية أمريكية، وترامب ينسب الفضل لنفسه، والجميع يحتفي باتفاق “رابح-رابح”. وربما تُضاف حوافز اقتصادية وفرص استثمارية تُرضي شركاء ترامب التجاريين.
بالنسبة للسودانيين، فإن أي وقف للقتال يُعد موضع ترحيب. فبعد عامين من القتل والجوع والخيانة، قد يبدو حتى “سلام ناقص” أفضل من استمرار الحرب.
لكن الخشية الحقيقية هي أن يخرج السودان من هذه الأزمة وقد بات رهينة لترتيبات جيوسياسية تُهمش شعبه، وتُفتت نسيجه السياسي، وتُغيب هويته الإفريقية.
لقد سبق وأن طرحت اتفاقات سلام برعاية الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي مبادئ واضحة للسلام والديمقراطية والعدالة. ورغم أن تلك الاتفاقات لم تصمد، فإن تطلعات السودانيين لم تتبدل.
أما الإطار الفعلي لاجتماع الرباعية، فهو مختلف تماماً: إنه مزيج من حسابات المال وقواعد “اتفاقات أبراهام” المُحدَّثة. فالسعودية والإمارات — وربما أطراف في واشنطن — تنظر إلى السودان من منظور استثماري بحت، يتعلق بالأراضي والذهب. أما إسرائيل، فترغب في تأمين ساحل البحر الأحمر من أي تهديدات محتملة، والسودان — بحركته الإسلامية النشطة — يقع ضمن تلك الحسابات الأمنية.
كل هذه المقاربات تُختزل السودان في كونه “ملفاً يجب إدارته”، لا دولةً يجب إنقاذها، ولا شعباً له الحق في تقرير مصيره.
النتيجة: سلام بلا سياسة، وحل بلا سودانيين. حتى المبادرة المدنية المتواضعة التي قد ترعاها مصر لن تكون سوى ظلٍ مشوه للديمقراطية — تُمنح لتجميل صفقة جرى التفاوض حولها في عواصم أجنبية.
في هذا المشهد، يغيب الصوت الإفريقي. الاتحاد الإفريقي ومنظمة الإيغاد لا يحضران طاولة المفاوضات. أما الأمم المتحدة، التي يُفترض بها حماية السيادة والشمولية، فقد انسحبت من المشهد بصمت.
وهذا ليس مجرد فشل دبلوماسي إفريقي، بل خسارة استراتيجية شاملة. فإقصاء القارة من مفاوضات السلام السودانية هو جزء من نمط أكبر: يتم فيه تهميش إفريقيا من المساهمة في صياغة مستقبلها. بدءاً من وساطة قطر والولايات المتحدة بين الكونغو ورواندا، مروراً بتغييب الاتحاد الإفريقي في ليبيا، وصولاً إلى تآكل الأصوات الوحدوية في عموم القارة — الاتجاه واحد.
لهذا، تبقى الحقيقة الجوهرية: السودانيون وحدهم من يمكنهم إنقاذ السودان.
نعم، قد تُوقف الرباعية الحرب. نعم، قد ينجح ترامب في جمع الجنرالات حول طاولة واحدة. لكن وحدها عملية سلام يقودها السودانيون، وتتمحور حول الشعب، يمكنها أن تحفظ وحدة السودان وكرامته ومستقبله.
يجب أن تتجاوز هذه العملية مجرد وقف إطلاق النار وتقاسم النفوذ. يجب أن تنبني على تسوية سياسية شاملة تُشرك المدنيين، والنساء، والشباب، ولجان المقاومة، والقيادات الدينية والتقليدية، والشتات. ويجب أن تُعيد ربط السودان بهويتيه الإفريقية والعربية، دون أن يُبتلع في إحداهما. كما يجب أن ترفض تحويل السودان إلى بيدق في صراع إقليمي تُحسب فيه الأرواح السودانية ضمن “الأضرار الجانبية”.
اجتماع الرباعية في 20 يوليو قد يغيّر معادلات الحرب، لكنه لن يحل أزمة الدولة. في أفضل السيناريوهات، هو كسبٌ للوقت. وفي أسوأها، هو تثبيتٌ لترتيبٍ تابعٍ تُصادر فيه أصوات السودانيين، وتُجهض فيه وحدتهم.
لا أحد يمكنه إنقاذ السودان — إلا السودانيين أنفسهم.
السلام الشعبي — القائم على الشمول، والكرامة، والرؤية الوطنية — لا يزال ممكناً. لكن الوقت ينفد.
دعوا الحرب تتوقف، ولكن دعوا السودانيين يقودون.