
الحرب السودانية، منذ يومها الأول، لم يكن من الصعب على كل حادبٍ ذو بصيرة أن يتوقّع ما ستقود إليه إذا استمرّت، بناءً على تجاربنا السابقة أو مقارنةً بحروب الإقليم من حولنا.
وبعيداً عن النقاش حول مشروعية الحرب، هل كان من الصعب توقّع أن استمرار حربٍ في بلد أنهكته الحروب الداخلية، وبموجب صراعٍ يؤسِّس لموضوع الحواضن الاجتماعية، سيقود إلى تقسيم اجتماعي ويمهِّد لتقسيم جغرافي؟ هل كان ذلك عسيراً على التوقّع؟
وإلى أي درجة كان الحديث عن الحفاظ على الدولة من خلال دعم أحد أطراف الحرب يتنافى مع البديهة التي تقول إنه في ظل الهشاشة الاجتماعية والسياسية في السودان، فإن استمرار الحرب هو أكبر مهدِّد للدولة في أهم أركانها، وهي الأرض المهدَّدة بالانقسام بسبب استمرارها؟ ولعل البعض يحاجج بأن الحرب إنما كانت لردّ عدوان خارجي، وكأنها قامت من طرفٍ واحد بينما كانت الأطراف الأخرى ساهية لاهية لا تعرف معنى الحروب!
هذه الحرب جزء من خطط تقسيم السودان، عبارة صحيحة، ولكن من المدهش أن نحاول هزيمة المخطّط باستخدام أدواته. بعد قيام الحرب جاءت فرصٌ للسلام وللحفاظ على وحدة السودان، لكن كان الشعار: “بل بس”، وهو بالمناسبة ليس شعار طرفٍ واحد في الحرب، بل شعار كل من يراها وسيلةً للحل.
كل أطراف هذه الحرب وداعميها مسؤولون عن مخاطر الانزلاق نحو الانقسام، ولا يجدي أي تزرع بالاعفاء عن هذه المسؤولية.
كل ما سبق من باب إقرار المسؤوليات، ولكن الواجب الأهم للقوى المدنية المؤمنة بوحدة التراب السوداني والملتزمة بشعارات ديسمبر المجيدة هو أن تناهض هذا المخطّط بدحض خطابه داخلياً وخارجياً. المطلوب هو خلق كتلة حرجة وحركة جماهيرية من أجل السلام والوحدة والديمقراطية. فليس المهم فقط تجنّب الاستقطاب مع أطراف الحرب، بل الأهم هو خلق قاعدة أوسع لإيقافها.