
قال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيرش هذا الصباح، الذي يصادف اليوم العالمي لحرية الصحافة: “أن حرية الناس، رهينة بحرية الصحافة”.
هكذا ضربة لازب، ربط غوتيرش، حرية أكثر من ثمانية مليار من الناس، ولدتهم أمهاتهم أحرارا علي ظهر هذا الكوكب، بشرط وجود صحافة حرة في بلدانهم.
فيما أظهر أحدث تصنيف عالمي أصدرته أمس الجمعة منظمة “مراسلون بلا حدود”، أن حرية الصحافة في العالم في أسوأ حالاتها علي الإطلاق، وأن أكثر من نصف سكان الأرض يعيشون في دول تعاني أوضاعا خطيرة للغاية، وفق مؤشرات هذه الحرية.
ويعتمد تقرير “مراسلون بلا حدود” في تصنيفه لمستوي حرية الصحافة بدول العالم المختلفة، علي خمسة محددات أساسية للقياس، هي عبارة عن معايير: سياسية، وقانونية، وإقتصادية، فضلا عن تقديرات لأوضاع الثقافة الإجتماعية، وللأحوال الأمنية.
ووفقا للتقرير فقد احتفظت النرويج بصدارتها للتصنيف العالمي، تليها استونيا وهولندا.
فيما تذيلت قوائم الحريات الصحفية، دول الصين، وكوريا الشمالية، وأرتريا.
وصنف تقرير المنظمة سبع دول فقط في خانة الوضع “الجيد”، جميعها دولا أوروبية.
“السودان الجديد”، هل يكسر القيد عن صحافته؟
لكن السؤال، كيف يمكن لمسودة الدستور الإنتقالي الجديد، الذي أقره “تحالف السودان التأسيسي” بنيروبي مارس الماضي، إتاحة فرصة حقيقية لبناء وترسيخ حرية للصحافة بالسودان؟
فقد نص الدستور الإنتقالي لجمهورية السودان لسنة 2025م
في فصله الثاني:
علي حرية التعبير والوصول للمعلومات علي النحو التالي:
(1) لكل مواطن الحق في حرية التعبير، والوصول الي المعلومات والمطبوعات، وتلقيها ونشرها، ولكافة وسائل الإعلام والانترنت.
(2) تكفل الدولة حرية وإستقلال الصحافة والإعلام الإلكتروني والمطبوع، وكافة وسائل الإعلام العامة والخاصة.
(3) لا يجوز تقييد الحقوق والحريات الواردة في البندين (1) و(2) إلا لضمان حقوق الآخرين وحرياتهم، وفقا لما ينظمه القانون في مجتمع ديمقراطي.
(4) تلتزم كافة وسائل الإعلام بمثل وأخلاقيات المهنة، وعدم إثارة الكراهية، أو نشر خطاب التمييز والازدراء علي أساس النوع، أو الدين، أو الإثنية، أو الجهة، أو الثقافة، أو الدعوة للعنف، أو التحريض على أي فعل إرهابي، أو يخالف الحقوق والحريات الأساسية الواردة في هذا الدستور.
لكن كيف نؤسس لصحافة حرة في سودان ما بعد هذه الحرب؟
فالتأسيس لصحافة حرة في سودان ما بعد هذه الحرب، ربما يتطلب رؤية أشمل، وقبل ذلك لإرادة حقيقية تتبعها خطوات عملية جادة، لابد أن تبدأ أول ما تبدأ، بإلغاء القوانيين المقيدة لحرية التعبير والإعلام، مثل قانون الصحافة والنشر لسنة (2009)، والقوانين الستة الأخري التي تطال بموادها الصحفيين في قضايا النشر الصحفي من أكثر من باب.
ثم يأتي من بعد سن قانون جديد للصحافة، يضمن حرية الوصول للمعلومات، ويمنع الرقابة علي النشر بكافة أشكالها ومراحلها قبلية أو بعدية، مباشرة أو غير مباشرة.
قانون جديد يترجم ويفصل وثيقة الحقوق والحريات الاساسية التي تضمنها الدستور، الي مواد دقيقة محكمة الصياغة وملزمة.
اضافة بالطبع للعمل قبل كل شيء، علي انشاء هيئة اعلام وطنية مستقلة، تنظم العمل الصحفي وتضبط كافة اعمال البث والنشر في نطاق سلطة حكومة السلام والوحدة.
فضلا عن العمل علي تعزيز استقلال وسائل الإعلام العامة، بإنشاء هيئة للإذاعة والتلفزيون تتمتع بدرجة من المرونة والاستقلالية عن السلطة التنفيذية.
وإلي ذلك السماح بقيام وسائل إعلام خاصة تعبر عن تنوع المجتمع.
مع السعي لتوفير بيئة آمنة للعمل الصحفي ببسط حماية قانونية علي الصحفيين من أخطار الإعتقال والتهديد والاعتداء، عبر آليات قضائية مستقلة.
فضلا عن ضرورة إنشاء مرصد وطني يصون ويضمن حماية حرية الصحافة، من خلال رصده للانتهاكات وتوفير الدعم القانوني والنفسي للصحفيين.
ولعل من أهم مطلوبات هذه المرحلة، العمل علي تدريب أجهزة إنفاذ القانون الشرطية، والأجهزة الأمنية، والعسكرية، علي إحترام حرية الصحافة، والإمتناع عن التعامل مع الصحفيين، كعدو داخلي.
كما يتوجب كذلك دعم وتشجيع برامج تدريب الصحفيين، علي أسس العمل المهني، في مجالات الصحافة الاستقصائية، وفي التغطية الحساسة للنزاعات، مع التركيز علي ضرورة التوعية والتذكير بالالتزامات التي تمليها أخلاقيات المهنة.
وكذلك العمل علي تحديث المناهج الأكاديمية في كليات الإعلام لمواكبة اخر تطورات علوم الاتصال، واحدث المستجدات في مجال الإعلام الرقمي والذكاء الاصطناعي واستخداماته الإيجابية.
فضلا عن أهمية التركيز علي انتاج محتوي إعلامي يعبر عن التنوع الثقافي، واللغوي، والديني، يقوي اللحمة والوطنية ويعزز التماسك الاجتماعي، ويناهض خطاب الكراهية.
مع السعي لإشراك الإعلام في بناء السلام كهدف استراتيجي، من خلال تعزيز دور الصحافة كأداة من أدوات العدالة الانتقالية في مجالات الحوار والمصارحة والمصالحة.