مقالات

حالة “اللامعيارية” (1)

الجميل الفاضل

كلما سمعت الجنرال ياسر العطا يقول ما شاء له الهوي أن يقول بلسان ديكتاتوري مبين: “لو أن (48) مليون سوداني صوتوا في إنتخابات لإختيار من يمثلهم ورأيت (أنا) أن من تم انتخابه عميل وخائن، ساقوم بالانقلاب عليه”.

إنه العطا ذاته الأمر الناهي، الذي سمعته من قبل يقول: “أن القائد العام للجيش الفريق أول عبدالفتاح البرھان، سيظل رأسا للدولة بكامل صلاحياته السيادية، ليس خلال الفترة الانتقالية فقط، مؤكدا أن وجود “البرھان” في ھذا الموقع سيمتد لما بعد أربع أو خمس دورات انتخابية قادمة”.

صحيح أني أعلم أن للنوم حمارا، من امتطاه مغمضا غير مبصر، أورده هكذا، لا محالة موارد الهلاك.

بيد أني لا أعرف في الحقيقة رجلا يحلم بهذه الطريقة العجيبة، قبل أن يغمض عينيه لينام، ثم لا يتواني في ان يقول بأحلامه أو قل أوهامه هذه مستحيلة المنال، علي رؤوس الأشهاد ودون أن يطرف له جفن كهذا الجنرال.

لكن يبقي الأهم هو أن نطرح علي أنفسنا أكثر من سؤال، حول ما الذي اعترانا نحن؟ وماذا دهانا؟.

وما الذي فعله هؤلاء “الإخوان المسلمين” بنا خلال العقود الثلاثة الماضيات؟، والي أي مدي نجحوا هم في العبث باعدادات مجتمعاتنا الداخلية، ألي هذا الحد المزري للغاية؟ وكيف يمكن لنا أن نستعيد ضبط مصنع الشخصية السودانية كما ينبغي من جديد؟ هذا الضبط الذي ضاع فأضاعنا وأضاع هويتنا وسلوكنا واخلاقنا السودانية التي كانت مضربا للمثل عند الكل فرنجة وعربا وعجما.

لماذا لم يعد يصدمنا فعل صادم؟ أو نألم كما كنا نألم لآلام الآخرين وجراحهم.

فهل بات حالنا اليوم كحال من قال فيه ابو الطيب المتنبي:

“ومَا انْتِفَاعُ أَخِي الدُّنْيَا بنَاظِرِهِ

إِذَا اسْتَوتْ عِنْدَهُ الأَنْوارُ والظُّلَمُ”.

إذ عند استواء الأنوار والظلم، لابد أن نعرف أين الآن نحن بالضبط؟ وما الذي صرنا اليه؟.

فعندما تدخل المجتمعات الي مرحلة أو حالة اللامعيارية، تتراجع حساسيتها الطبيعية تجاه الآخر، وتفقد قدرتها علي الرفض والإعتراض، وعلي قول كلمة “لا”، وعلي الإستنكار أو علي الغضب والسخط.

عموما هي حالة يوطن فيها الناس أنفسهم علي تقبل وتبرير كل الاقوال والافعال التي لا تبرير لها اصلا.

ولذا فأنه حال ربما يستوجب سؤالا كسؤال نصر بن سيار لأميره الأموي مروان بن محمد:

“أأيقاظٌ أمية أم نيام؟

فإنْ يكُ قومنا أضحوا نياماً

فقل قوموا فقد حان القيام”.

أم بلغنا بالفعل الحال الأسوأ الذي وصفه ابو الطيب بقوله:

“مَن يَهُن يَسهُلِ الهَوانُ عَلَيهِ

ما لِجُرحٍ بِمَيِّتٍ إيلامُ”.

يَهنْ بمعني: أن يُصبحُ هيّنًا مُهَانًا باختيارِه، فيهونُ في نفسِه، ولذلكَ هو لا محالةَ سيكون عُرضةً لإهانةِ غيرِه له، ومنْ هوانِه على نفسِه، وهوانِه على النَّاس، ستكونُ إدانة غيرِه له، أمراً سهلاً عليه، وسَتَمُرُّ عليهِ مرورَ الكِرَامِ.

إنها اسئلة في ظني ضرورية ونحن نعيش مرحلة يصفها علماء النفس والاجتماع بحالة “اللامعيارية”.

-ونواصل-

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى