
استقبل السودانيون عيد الأضحى في ظل أوضاع إنسانية ومعيشية صعبة، مع دخول الحرب عامها الثالث، إذ تحول العيد من مناسبة للفرح والبهجة إلى محطة للمعاناة وسط تحديات اقتصادية متفاقمة وأزمات مستمرة، مما جعل المواطنين يعيشون ظروفاً غير مسبوقة في قسوتها، ما بين الجوع والنزوح والتشرد.
وحل العيد هذا العام على سكان الخرطوم في أجواء من الفرح، فعلى رغم نقص الخدمات ونفاد المدخرات المالية حفزت الأوضاع المستقرة وغياب مشاهد الرعب سكان العاصمة على الاستمتاع بالفرحة وأمنيات صلاة العيد، وكذلك فرح الأطفال، وتمكن الغالبية من التنقل بحرية وسط الأحياء من دون قلق أو خوف، خصوصاً بعدما باتت الخرطوم خالية من “الدعم السريع”.
دعوة إلى السلام
بعد أكثر من عامين وعقب تحرير كامل العاصمة الخرطوم من قبضة “الدعم السريع” حرص معظم المواطنين على التلاقي صباح العيد والصلاة في ساحات شهيرة مثل ميادين المولد والمساجد الكبرى داخل أحياء أم درمان، وكذلك الصحافة والجريف وبري وشمبات وكافوري في بحري (شمال الخرطوم)، وبأعداد كبيرة مقارنة بالأعياد السابقة التي كانت تقتصر فيها الصلاة على ميادين قريبة من المنازل.
وركز أئمة المساجد في خطبهم على حض الناس على التعاضد والتكافل في هذه الظروف العصيبة، والدعوة إلى السلام وتعظيم حرمات المسلمين، واستبدل المواطنون التهنئة من عبارات السلامة لبعضهم بعضاً إلى التهاني التقليدية “كل عام وأنتم بخير”.
أفراح وبشريات
وقال سامر حسين، أحد المواطنين بمنطقة شمبات في الخرطوم بحري “لأول مرة منذ اندلاع الحرب استطعنا أن نستمتع بطقوس فريدة ومميزة في عيد الأضحى، واستعاد الناس عادات أصيلة في هذه المناسبة السعيدة غيبها الصراع المسلح قسراً لأكثر من 25 شهراً، ونجح سكان الحي كافة في الوصول إلى أسرهم وجيرانهم لتبادل التهاني من أجل التسامح والعفو”. وأضاف “من بشريات المناسبة السعيدة عودة خدمات الكهرباء والمياه إلى بعض الأحياء، مما جعل السكان يحتفلون مرتين في عيد الأضحى، وأول مرة أشعر بسعادة غامرة لوجودي بين الأهل والأصدقاء والجيران بعد معاناة في مراكز إيواء النزوح”.
وأوضح حسين أن “عيد الخرطوم هذا العام شهد الطقوس الفريدة والعادات المميزة، إذ ارتدى الرجال أثواباً بيضاء جديدة ووضع كثر العمامة على رؤوسهم، وعند عودتهم بصحبة أطفالهم قاموا بمعايدة الجيران والأقارب الذين يسكنون في الأحياء المجاورة، وعمت الشوارع أجواء من الفرحة والحماسة”.
حراك وتواصل
أواب الزين العائد إلى منطقة ود البخيت في أم درمان، يقول “عدت برفقة أسرتي بعد عامين، وهو العيد الأول لنا في المنزل منذ اندلاع الصراع المسلح، ووجدنا أعداداً كبيرة من العائلات جاءت من مناطق مختلفة من ولايات السودان، وبالفعل الحياة هادئة ومستقرة، ولم نعان أزمات حتى الآن”. وأضاف “تبادلنا التهاني وسط فرحة لا توصف، خصوصاً بعد العودة إلى المنازل وإنهاء معاناة اللجوء، عشنا أجواء مختلفة وسط لمة الجيران ودعوات عابري السبيل في طرقات أم درمان، ووزع السكان جزءاً من لحوم الأضاحي على الفقراء”.
وأشار الزين إلى أن “حركة التنقل في الخرطوم اكتظت بالسكان، وهناك حراك هائل تجاوز المألوف مقارنة بالأعياد السابقة في ظل الحرب داخل العاصمة”.
كآبة ومعاناة
وفي مراكز الإيواء بمدن بورتسودان وعطبرة والقضارف، حل عيد الأضحى كأنه يوم كبقية الأيام، حاملاً غصة النزوح عن المنازل، إذ غابت مظاهر العيد المعهودة.
الواثق الصديق الذي يقيم في مركز المنال للإيواء بمدينة الدمازين جنوب الخرطوم، قال إن “مظاهر العيد اقتصرت على التكبيرات والصلاة، وتجمع الأطفال تحت أشجار المدرسة التي يقيمون فيها للعب والتغلب على معاناة الأوضاع الإنسانية والمعيشية القاسية”.
ويحلم الصديق بالعودة إلى منزله في مدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور، على رغم تعرضه لتدمير جزئي، لكنه يرى أن الإقامة فيه بحاله أهون عليه من المعاناة القاسية في مراكز الإيواء. ولفت إلى أنهم كانوا يظنون أن “الأمور ستؤول إلى الأفضل مع مرور الأيام، ويمكن أن تنجح المساعي والمبادرات في إنهاء الحرب، لكنها سارت عكس التوقعات، وأصبحنا اليوم على يقين أن العودة مؤجلة إلى إشعار غير معلوم”.
وأشارت نجوى الطاهر التي تقيم في مركز للنازحين بمدينة كوستي جنوب الخرطوم، إلى أن “المعاناة نفسها تتجدد يوماً تلو الآخر، لذا فقد الفارون من ويلات الصراع المسلح الشعور بطعم العيد بعد أن غادروا منازلهم مجبرين”.
وأوضحت أن “الأوضاع الاقتصادية حرمت الغالبية من شراء خراف العيد والملابس الجديدة أو ألعاب للأطفال لإدخال البهجة في نفوسهم”.
وواصلت الطاهر “بعض الخيرين قدموا لحوم الأضاحي ومواد غذائية للنازحين، لكنها لا تكفي نظراً إلى وجود الآلاف في مراكز الإيواء”.
شتات الأقاليم
بعيداً من العاصمة الخرطوم وفي أقاليم السودان التي تشهد نزاعات مسلحة، قضى الآلاف يوم العيد في رحلات نزوح وشتات من مدن ومناطق عدة بخاصة النهود والخوي والفولة، وكذلك الدبيبات والحمادي وسط ظروف إنسانية قاسية.
واعتبر المواطن النعيم عثمان الذي نزح من منطقة الدبيبات بولاية جنوب كردفان، أن “قضاء العيد خارج الديار بعيداً من الأهل والأصدقاء أمر محزن للغاية، ولا ملامح فرحة هنا في طرقات المجهول، ولا يمكن للنازح شراء ما يحتاج إليه أطفاله، بل ليس بين النازحين من لديه رغبة في الاحتفال بالعيد، واعتبره كثر يوماً كبقية الأيام”.
وأوضح أنه واجه القصف والدمار ولم يخرج من المنطقة إلا بعدما باتت شبه خالية من السكان، “ولم أكن أتخيل في يوم من الأيام أنني سأترك منزلي، لكنني اضطررت إلى المغادرة بعد تصاعد حدة القتال وسط دوي القذائف والرصاص وقصف المسيرات”.