
التحالف مع الجيش المختطف، يعني الاتفاق مع قيادته على الإفلات من المحاسبة والعقاب عن الجرائم المرتكبة منذ انقلاب القصر وحتى الآن. وهو اتفاق يؤكده تحالف يشرعن السطو على السلطة عبر الانقلاب العسكري، يساوي في بؤسه شرعنة (المؤسس) للانقلاب عبر اتفاق برهان/ حمدوك بعد حدوث الانقلاب مباشرة، وانخراط الأخير في السلطة غير الشرعية كرئيس وزراء للانقلاب الذي أطاح بحكومته حكومة شراكة الدم. فالتحالف يعني التجاوز عن الجرائم المروعة التي ارتكبتها قيادة الجيش المختطف مثلها مثل قيادة الجنجويد سواء بالاشتراك معا أو كلا على حدة. ولسنا في حاجة للقول بأن الاتفاق الجنائي والاشتراك مع تشابه الجرائم التي تم ارتكابها على انفراد، يعكس طبيعة متماثلة لقيادة المنظمتين المنتميتين لفئات رأس المال الطفيلي، والمنقسمتين بسبب الصراع على السلطة لا بسبب اختلاف المشاريع من حيث الجوهر. فمثلما رصدنا في السلسلة السابقة جرائم مليشيا الجنجويد الإرهابية التي ستسقط في حال التحالف معها، نوجز الجرائم حتمية السقوط في حال التحالف مع الجيش المختطف فيما يلي:
أول هذه الجرائم وأحدثها، جريمة الحرب المتكررة المتمثلة في قصف المدنيين دون تمييز وقتل عدد كبير منهم. وهذا ما وثقته منظمة هيومان رايتس ووتش في تقريرها الأخير وعبر استنطاق الشهود حول قصف المدنيين بمدينة نيالا طوال الأشهر من نوفمبر 2024م وحتى فبراير 2025م. وهذه الجريمة المتكررة الناتجة عن قصف وسط المدينة بقنابل غير موجهة وغير دقيقة ، جريمة مستمرة بكل أسف وثقتها تقارير سابقة من منظمات وصحافة استقصائية مستقلة. وبكل تأكيد قيادة الجيش المختطف هي المسؤولة جنائيا عن تلك الجرائم، باعتبارها الجهة صاحبة الصفة في إعطاء الأوامر بالقصف، كما أنها الجهة القيادية التي تستطيع منع قصف المدنيين، وهي الجهة الرقابية التي من واجبها المحاسبة إن لم تكن هي من أعطى الأوامر والتعليمات. وأيا من هذه الحالات كاف لإدانتها في حال تقديمها للعدالة الجنائية الوطنية أو الدولية.
وثانيهما هو ارتكاب القيادة غير الشرعية الحالية لانقلابين عسكريين ، هما انقلاب القصر الذي قطع الطريق على ثورة ديسمبر المجيدة وكون مجلس الانقلاب العسكري في 2019م، وانقلاب أكتوبر 2021م الذي تم بموجبه تقويض النظام الدستوري القائم على أساس الوثيقة الدستورية المعيبة. وانقلاب القصر بالرغم أنه قد تم ضد سلطة الإنقاذ غير الشرعية وبالتنسيق معها للحفاظ على مكتسبات التمكين، إلا أنه يظل من حيث القانون جريمة تقويض للنظام الدستوري ومخالفة للمادة (50) من القانون الجنائي تصل عقوبتها للإعدام، كما أنها مخالفة للمادة (163) من قانون القوات المسلحة وارتكاب لجريمة التمرد التي تصل عقوبتها للإعدام أيضاً. وهذا هو نفس الحال فيما يخص انقلاب أكتوبر 2021م الشهير بانقلاب الموز الذي تناسلت منه السلطة غير الشرعية الحالية، والذي أسس للحرب الماثلة بين الشريكين في الجريمة (قيادة الجيش المختطف وقيادة مليشيا الجنجويد الإرهابية).
ثالثهما وأهمهم، مجزرة فض اعتصام القيادة العامة التي تم ارتكابها لكسر إرادة الجماهير والمحافظة على تمكين الحركة الإسلامية المجرمة، حيث تمت باتفاق جنائي واشتراك بين قيادة الجيش المختطف وقيادة الجنجويد في اللجنة الأمنية للإنقاذ، ومسؤوليتهما عنها من المستحيل التنصل منها . فالبينات متوفرة ابتداءً من تصريح “حدث ما حدث ” الشهير والموثق جيداً، مرورا بالفيديوهات وشهادة الشهود التي تثبت طبيعة القوات التي ارتكبت المجزرة، وجميعها تقع تحت إمرة قيادة الجيش المختطف بوصفها المجلس العسكري الانقلابي حينها.
رابعهم جريمة قتل المتظاهرين السلميين المستمرة منذ اندلاع ثورة ديسمبر المجيدة وحتى اندلاع الحرب اللعينة الراهنة، وخصوصا في الفترة بعد وقوع جريمة انقلاب أكتوبر 2021م وظهور سلطة الأمر الواقع غير الشرعية الحالية، واغتصابها للسلطة والاستمرار في هذا الاغتصاب عبر تكوين مؤسسات غير دستورية بديلة للمؤسسات الشرعية. وهذه الجريمة المتعددة والمتكررة ، لا يمكن التنصل منها بأي صورة من الصور، فهي جريمة ارتكبتها قوات نظامية تابعة لقيادة الجيش المختطف باعتبارها سلطة الأمر الواقع والقيادة التي تصدر الأوامر ، وتقدر على منع وقوع الجريمة في إطار الضبط والربط وهرمية القيادة والسيطرة، مع ثبوت واجبها في التحقيق والمحاسبة، وكلها أسباب كافية للإدانة بهذه الجريمة المستمرة.
خامسهم هي جريمة تبديد المال العام والتصرف فيه دون وجه حق ودون صفة شرعية. فالسلطة غير الشرعية ليس لديها الحق في التصرف في الأموال الحكومية والتعدي عليها، وليس لها أي حق في السيطرة على الاحتياطي النقدي الذي كان في بنك السودان لحظة وقوع انقلاب الموز، كما ليس لها الحق في استلام إيرادات الدولة وجباية الأموال والتصرف فيها دون صفة، والسماح لمن عينتهم بالتصرف فيها كذلك. وفي هذا السياق تأتي جريمة إنكار العدالة بتحويل العدالة الجنائية إلى سلعة تبيعها النيابة للمواطن وفقا لمنشور وزير المالية غير الشرعي، وهي مخالفة ترقى لمستوى تقويض النظام الدستوري كما سنرى في مقال لاحق، لأن إنكار العدالة الجنائية يقوض أسس وبناء الدولة نفسها، ويفقد السلطة أحد أهم سماتها.
بالإضافة إلى ما تقدم تأتي الجرائم ذات الطابع السياسي المتمثلة في إشعال الحرب والانخراط فيها وتكوين المليشيات لخوضها والفشل في القيام بالواجب عبر الانسحابات المتكررة وترك المواطن الأعزل فريسة للجنجويد، وكذلك إفساد النظام العدلي والاعتداء على استقلال القضاء واستخدامه كأداة لتصفية الخلافات السياسية مع الخصوم السياسيين، وجريمة التفرقة بين المواطنين والتجريم على أساس الهوية بإصدار قانون الوجوه الغريبة، وإعادة المفصولين بواسطة لجنة تفكيك وإزالة التمكين من الإسلاميين وتمكينهم من جهاز الدولة مجددا في إطار بناء مؤسسات تكرس الانقلاب وتضمن استمراريته، وغير ذلك من جرائم الإضرار بالاقتصاد الوطني وحماية الفساد المالي والإداري ومثال له ما حدث من بعثة الحج في موسم الحج الأخير وما حدث في توزيع الإغاثة.
ومؤدى ما تقدم هو أن جنرالات نظام المخلوع البشير غير الشرعيين المسيطرين على الجيش والمختطفين له والمنتحلين لصفة قيادته، هم على أقل تقدير وفي أحسن الفروض مشتبه بهم بارتكاب الجرائم الموصوفة أعلاه، والتحالف معهم يعني استحالة جلبهم للعدالة ليحاكموا محاكمة عادلة عما اقترفوه من جرائم، مما يعني إفلاتا صريحا من العقاب ، وتقويض ركن أساسي من أركان شعار ثورة ديسمبر المجيدة وهو العدالة، التي تعتبر المدخل الرئيس لأي إصلاح للحياة السياسية ولأوضاع البلاد، التي أدمنت السماح للمجرمين بالإفلات من المحاسبة والعقاب تحت دعاوى الواقعية وعفا الله عما سلف. فقيادة الجيش المختطف الممثلة للرأسمالية الطفيلية، لا بد من محاسبتها على الجرائم المثبتة أعلاه وجرائم أخرى لم نذكرها، حتى لا تتكرر مثل هذه الجرائم البشعة، والتحالف معها ببساطة يمنع ذلك ، والمطلوب قطعا ذم هذا التحالف ورفضه جملة وتفصيلاً.
وقوموا إلى ثورتكم يرحمكم الله!!!
13/6/2025