تقارير

الألواح الشمسية .. “طوق نجاة” لأزمة الكهرباء بالسودان

مشاوير - وكالات 

منذ أشهر الحرب الأولى بين الجيش السوداني وقوات “الدعم السريع” المتمردة المندلعة منذ منتصف أبريل 2023، خسرت البلاد نحو “1000” ميغاواط من توليد الكهرباء نتيجة الدمار الهائل الذي لحق بمحطتي بحري وقري الرئيستين للتوليد الحراري وخروجهما عن الخدمة بسبب المعارك العنيفة التي دارت في محيطهما وداخلهما أحياناً.

وخلال فترة العامين التي كانت فيها مدينة الخرطوم تحت سيطرة قوات “الدعم السريع” شهدت نوعاً آخر من التخريب والنهب والدمار بحفر وسرقة جميع كابلات نحاس شبكة التوزيع الأرضية وتفريغ جميع محولات المحطات التحويلية مما أوقع أضراراً جسيمة بالشبكة وفاقم من القطوعات المتواصلة ومعاناة المواطنين الذين يواجهون ظروفاً صعبة بدخول الكهرباء إلى قائمة الأزمات اليومية التي يعيشونها.

 

مواجهة الانهيار

بدخول الحرب عامها الثالث تحولت قوات “الدعم السريع” بخاصة بعد انسحابها من مدينة الخرطوم، إلى استهداف مصادر توليد الكهرباء الرئيسة بالطائرات المسيرة وقصفت محطات أم دبيكرات وسد مروي وعطبرة وبربر بشمال البلاد، في وقت لم تكن الطاقة الكهربائية تغطي سوى نحو 30 في المئة فقط من أراضيه.

وأدى قصف مسيرات “الدعم السريع” المتكرر لمحولات ومحطات رئيسية للكهرباء على شمال السودان إلى انقطاع شبه دائم للكهرباء عن معظم ولايات البلاد وأفرز أزمة خانقة في مياه الشرب بتلك الولايات بما فيها العاصمة الخرطوم.

هذا الواقع وفق مصادر هندسية، وضع قطاع الكهرباء في السودان في مواجهة الانهيار التام نتيجة للعلميات العسكرية والتخريب والقصف المستمر بالطائرات المسيرة من قبل قوات الدعم السريع من دون مراعاة لقواعد الاشتباك.

 

تكلفة باهظة

وتقدر المصادر، إعادة تأهيل المحطات الحرارية في قرى والخرطوم بحري والشبكة العامة وحدها قد تحتاج إلى أكثر من ملياري دولار للصيانة نتيجة للأضرار غير المسبوقة التي تعرضت لها.

وأشارت المصادر نفسها، إلى أن أزمة انعدام الطاقة الكهربائية المستفحلة التي يعيشها السودان نتيجة التدمير الواسع الذي لحق بمصادر التوليد وشبكات التوزيع، تسببت في ارتفاع مهول في الطلب على ألواح توليد الطاقة الشمسية بشكل متزايد في البلاد وبخاصة الخرطوم، بالنسبة للقطاعين السكني والزراعي على حد السواء.

ويتمتع السودان بإمكانات هائلة بمناخه المداري وطقسه المشمس على مدار شهور وأيام السنة، مما يوفر مصدراً طبيعياً غير محدود للطاقة الحيوية من خلال إشعاع شمسي قوي، يبلغ نحو ستة كيلوواط/ ساعة لكل متر مربع يومياً، وفق شركة توزيع كهرباء السودان.

 

إقبال وغلاء

بدوره، أدى الإقبال الكبير على ألواح الطاقة الشمسية إلى ارتفاع هائل في أسعار الألواح الشمسية وملحقاتها من بطارية شحن وغيرها من مكونات وحدة الطاقة الشمسية، مما حرم معظم المواطنين من اقتناء هذه التقنية، ولجأ الكثيرون إلى شراء وحدات متناهية الصغر لأغراض شحن الهاتف وإنارة لمبة واحدة.

يقول محمد حسن عبد القادر “مع ازدهار تجارة الألواح الشمسية لكن أسعارها بعيدة كل البعد من متناول المواطنين بخاصة والجميع يمر بظروف صعبة لا يكاد معها يتناول أكثر من وجبة واحدة في اليوم”.

وأشار عبد القادر، إلى أن سعر معدات وحدة الطاقة الشمسية التي تكفي لتشغيل الحد الأدنى من الأجهزة المنزلية تجاوز 2.3 مليون جنيه سوداني ما يعادل نحو 950 دولاراً أميركياً بالسعر الموازي، بينما فرضت وزارة المالية خلال السنوات الثلاث الماضية ضرائب جديدة على استيراد معدات الطاقة الشمسية.

 

الخرطوم والبدائل

ولمعالجة الآثار الصعبة التي ترتبت على انقطاع التيار الكهربائي في ولاية الخرطوم وبخاصة في قطاع المياه، أمنت اللجنة العليا للطوارئ وإدارة الأزمة بالولاية على أهمية التوجه نحو تشغيل الآبار الجوفية لمياه الشرب بواسطة الطاقة الشمسية كبديل أمثل في هذا الظرف الراهن.

وأوضح المتحدث باسم حكومة ولاية الخرطوم، الطيب سعد الدين، أن سلطات الولاية ستعتمد على الطاقة الشمسية لإضاءة الشوارع والمرافق الحكومية، وذلك بعد تعرض جميع كوابل الكهرباء الأرضية للنهب، مبيناً أن هذا التوجه يأتي كحل إسعافي وموقت إلى حين استعادة شبكة الكهرباء التقليدية.

وتعهد برنامج الأمم المتحدة الإنمائي بالعمل في مجال الطاقة الشمسية كبرنامج مستدام في المراكز الصحية والمستشفيات، فضلاً عن اتجاه البرنامج لمراجعة وصيانة الكهرباء بالمستشفيات بالتنسيق مع إدارة الكهرباء والمياه.

وأكد البرنامج خلال زيارة تفقدية للوقوف على حجم الدمار الذي لحق بمستشفيات ولاية الخرطوم داعياً المنظمات الأممية للمساهمة في إعادة إعمار وتأهيل مستشفى أمراض المناطق الحارة ومركز غسيل الكلى نسبة للخدمات الهامة التي يقدمانها لمرضى الدرن والإيدز والكلى.

 

أضرار وحلول

وكانت شركة كهرباء السودان كشفت عن أضرار هائلة لحقت بالبنية التحتية للقطاع في النقل والتوليد والتوزيع، إضافة إلى الخسائر الكبيرة في المواد والمعدات.

وعزت الشركة في بيانها، تأخير عودة تيار الكهرباء إلى تكرار عمليات القصف التي استهدفت الشبكة، مما أدى إلى فقدان العديد من الخطوط البديلة اللازمة للمعالجة، مشيرة إلى أن إصلاح الأعطال أصبح يتطلب معالجات في عدة مواقع مختلفة لضمان عودة التيار.

وأوضح المهندس محمد أبو الراجل، نائب مدير شركة الكهرباء القابضة أن الحرب أضرت بقطاع الكهرباء في الشبكات والنقل والتوزيع ومحطات التوليد، مشيراً أن الطاقة الشمسية هي الحل الأسرع في تلبية حاجات المواطن في خدمات المياه والإنارة والري.

وأشار في ورشة حول الطاقات المتجددة وتحديات إعادة الإعمار ببورتسودان إلى وضع خطة طموحة في مجال الطاقات المتجددة تشمل كل ولايات البلاد، داعياً لشراكة مع القطاع الخاص في مشاريع طموحة للطاقات المتجددة.

 

مئات الوحدات

وفي ولاية الجزيرة لجأت العديد من قرى الولاية للاستعانة بالطاقة الشمسية بصورة أساسية لتشغيل محطات مياه الشرب للإنسان والحيوان.

وأعلنت منصة أم القرى المعنية بمراقبة الأوضاع الميدانية بالجزيرة، عن وصول شحنة من ألواح الطاقة الشمسية إلى مباني المحلية بغرض تشغيل محطة المياه بالمحلية.

وكشف المهندس أبو بكر عبدالله، وزير التخطيط العمراني والإسكان والمرافق العامة المفوض بالولاية، عن تركيب 267 وحدة طاقة شمسية لتشغيل محطات المياه في المحليات، وتشغيل 22 مرفقاً وست شبكات كهرباء عامة، بجانب تأهيل محطة مياه مدني الرئيسية لتعمل بكامل طاقتها التشغيلية، ضمن المشروعات الجديدة في قطاعي الكهرباء والمياه، التي أسهمت في تعزيز جهود تطبيع الحياة في ظل هذه الظروف الاستثنائية.

وحتى قبل ثلاث سنوات كان السودان يحتل المركز الخامس في قائمة الدول العربية الأكثر امتلاكاً لقدرات الكهرباء النظيفة وفقاً لبيانات الوكالة الدولية للطاقة المتجددة “آيرينا”، طبقاً لمنصة الطاقة المتخصصة.

 

حوجة ماسة

في السياق أشار المحاضر والمحلل الاقتصادي، محمد الناير، إلى أن السودان في أمس الحاجة للاستفادة من مورد الطاقة الشمسية في ظل الظروف الراهنة بخاصة بالنسبة لحاجات القطاعين السكني أو الزراعي، لذلك على الدولة الإسراع بوضع سياسات جريئة وسريعة تسهم في نشر الطاقة الشمسية، وذلك بإلغاء كافة الجبايات والضرائب والإعفاء الكامل لواردات خلايا الطاقة الشمسية من أي رسوم جمركية أو غيرها لخفض تكلفة وحدات الطاقة الشمسية، وأن تلعب دوراً في ضبط أسعارها وتحديد هامش أرباح بالنسبة لشركات القطاع الخاص، كما يمكنها تكوين شركة مساهمة عامة لاستيراد تلك الخلايا حتى تصل إلى المواطن باقل تكلفة ممكنة.

أوضح الناير، أن التكلفة الرأسمالية لأنظمة الطاقة الشمسية قد تكون مرتفعة بعض الشيء لكنها تدفع لمرة واحدة في مقابل تكلفة تشغيل تكاد تكون معدومة لفترة قد تتراوح ما بين 5 إلى 10 سنوات من التمتع بالطاقة الكهربائية المنتجة طوال تلك المدة.

 

تسهيلات مصرفية

وتابع المتحدث “هناك بحوث ودراسات وتجارب ونماذج ناجحة بخاصة استخدام الخلايا الشمسية في مجال ضخ مياه الري الزراعي وفي مجال الصناعات الصغيرة، نأمل في أن تكون محفزاً لقيام مشروع كبير لإنتاج كهرباء الخلايا الشمسية يفيد القطاعين الزراعي والصناعي التجاري للعمل بخلايا متجزئة كل هذا ممكن”.

طالب الناير، الدولة بضرورة تسهيل التمويل المصرفي لاقتناء المواطنين لوحدات الطاقة الشمسية كون هذا المشروع أصبح يشكل أولوية وأهمية كبيرة جداً لكل القطاعات السكنية والإنتاجية معاً في ظل التخريب الذي تعرض له قطاع الكهرباء بسبب الحرب، وبذلك تكون الدولة قد أسهمت بشكل كبير في حل مشكلة الكهرباء المستفحلة وبصورة جذرية وحتى لو حدث استهداف جديد لمحطات الكهرباء بإمكان الطاقة الشمسية سد الفجوة والعجز بسهولة.

 

 تمويل ميسر

حض المحلل الاقتصادي، البنوك على رفع سقف التمويل الأصغر حتى يتمكن المواطنون وصغار المنتجين من شراء أنظمة الخلايا الشمسية لمنازلهم وصناعاتهم الصغيرة، على أن يكون ذلك بشروط ميسرة وأقساط مريحة في السداد وبأرباح قليلة كجزء من إسهام البنوك ضمن مسؤوليتها المجتمعية.

وتابع “قبل نحو 10 سنوات كان السودان يخطو خطوات كبيرة نحو توطين تجميع الخلايا الشمسية بتشييد مصنع خاص بذلك في منطقة سوبا لكنه توقف قبل 10 سنوات لأسباب غير معلومة، بينما كان من الممكن تطويره للانتقال من التجميع إلى مرحلة التصنيع، بخاصة وأن دراسات عدة تؤكد أن السودان يمتلك أنواعاً من السليكا هي الأجود في العالم حيث تتوافر رمال السليكا البيضاء بكثرة في منطقتي بارا بشمال كردفان ونهر النيل شمال البلاد.

وأضاف الناير، بأن بحوث سابقة أجرتها وزارة العلوم والتكنولوجيا ومركز أبحاث الطاقة التابع لها، أكدت أن السودان من أكبر الدول المؤهلة للاستفادة من طاقتي الشمس والرياح المتجددتين، وما زال بالإمكان إعادة الحياة لمصنع تجميع الخلايا الشمسية وتطويره لتصنيع الألواح نفسها لتلبية الحاجات المحلية المتزايدة للطاقة الشمسية.

 

واقع وتحديات

وقبل الحرب كان قطاع الطاقة بالسودان يواجه تحديات كبيرة في ضمان توفير إمدادات كافية من الكهرباء لجميع السكان المقدر عددهم بنحو 43 مليون نسمة، تتمثل في عدم كفاية البنية التحتية بجانب تحديات التوليد والتوزيع التي ينتج منها عدم انتظام الإمداد والانقطاعات المتكررة للتيار الكهربائي.

وفي 2022، بلغت القدرة الإجمالية لتوليد الكهرباء بالبلاد نحو 2799 ميغاواط، بينما بلغ الطلب الوطني نحو 3800 ميغاواط، مما أدى إلى عجز يبلغ نحو 1000 ميغاواط.

يُعد سد مروي حالياً أكبر خزان مائي في السودان، يوفر توليد كهرباء مستقر على مدار العام، من خلال محطة توليد الكهرباء مزودة بعشر توربينات، قدرة كل منها 125 ميغاوات بإجمالي إنتاج يبلغ توليد 1250 ميغاوات من الكهرباء، ويتم تشغيلها والتحكم فيها عن بعد من مركز التحكم الوطني في الخرطوم.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى